بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.
"أسمعتم بجبلٍ هُدِم؟ أو أملٍ قُتِل؟ أو نورٍ أُطفئ؟ أو ثائرٍ مات؟ أو حقٍ اندثر؟".. هذا ما أرادوا له أن يكون، حين أطلقوا على صدر جبل الشموخ الثائر ثمانيةً وثمانين طناً من حقدهم، ظنّاً منهم أن القنابل تستطيع أن تطمس نور القمم الشامخة. لكنّهم لم يعلموا أنهم كانوا يحفرون بفعلتهم تلك أسطورةً جديدة، أسطورة سيد العرب والقائد الأبدي، السيد حسن نصر الله.
تمرّ علينا الذكرى، فلا نجد فيها رائحة تراب القبور، بل عبق القيامة وقبَسَ نورٍ لا ينطفئ.
من منطقة "برج محمود" المتواضعة، حيث تختلط روائح الأرض الطيبة بصبر الأمهات، انطلقت المسيرة. لم تكن ولادته مجرد ميلاد إنسان، بل كانت بزوغ نقطة بيضاء شَرُفت بها سواد أيام العرب، نقطة أضاءت الطريق من ظلماته. في دراسته الأكاديمية والحوزوية لم يكن يبحث عن شهادة تُعلَّق على الجدران، بل كان يشتعل عقلاً وقلباً، يتلمّس خيوط النور في تراث أهل البيت عليهم السلام، ليجعل من العلم سلاحاً، ومن الإيمان درعاً، ومن الزهد في الدنيا قوةً لا تُقهر.
لقد كانت محطات حياته كلماتٍ متتالية في سفر جهادٍ طويل. في دربه الجهادي، لم يحمل السيد سلاحاً ليقتل به روح الحياة، بل حمله ليدفع عن الحياة روح الموت والذل. كان يقاتل ليعيد للأمة كرامتها، وليَنزع من قلوب أبنائها غبار الهزيمة. كان خطابه، قبل سلاحه، صاروخاً يثقب جدران الصمت، يوقظ النيام، ويحيي في النفوس الأمل. كان يعلم أن المعركة الحقيقية هي معركة الإرادات، فجعل من إرادة أبناء شعبه جبلاً يصمد في وجه أعاصير التهديد والتطويع.
وفي ذكرى استشهاده، نقف لا لنرثي، فالرثاء للذين يموتون. نقف لنستلهم العبرة ونستمد العزم. لقد غادرنا السيد جسداً، لكنه بقي حاضراً في قلوب أحرار العالم. لقد حوّل استشهاده في ضاحية بيروت الجنوبية إلى منارة، والدماء الطاهرة التي سُفكت إلى وقودٍ لثورة لا تتوقف. أرادوا بقنابلهم أن يقتلوا "ثائراً"، فصنعوا من روحه ألف ثائر وثائر.
إن كلماتنا اليوم، مهما بلغت من البلاغة، تقف عاجزة أمام عظمة هذا الرجل. إنه ليس بحاجة إلى كلماتنا، بل نحن المحتاجون إلى أن نقرأ سيرته، وأن نحفظ دروسه. لقد علّمنا أن الكرامة لا تُوهب، بل تُنتزع. وأن الحق لا يُمنح، بل يُؤخذ. وأن القوة ليست في عدد السلاح، بل في إيمان المقاتل وعدالة قضيته.
فإلى روحك الطاهرة، يا سيد حسن نصر الله، إلى ذلك الجبل الشامخ الذي حوّلتموه بقدرتكم إلى أسطورة.. نرفع أحرّ التحيات وأعظم الرجاء. نقول لك: لقد متَّ كما تحب أن تموت، شامخاً كما عشت، ثائراً كما أمرك ربك. لكن موتك هذا كان ولادة جديدة للأمل، وانتفاضة جديدة للكرامة.
طوبى لك يا سيد الشهداء في زمننا هذا. طوبى لك يا من جعلت من الموت حياة، ومن الفراق لقاءً أبدياً في قلوب الملايين. ستبقى قضيتك حيّة، ودمك الزكي شعلةً في ظلام الليالي، حتى تظهر كلمة الحق ويظهر القائم بأمر الله.
السلام عليك يوم وُلدت، ويوم استُشهدت، ويوم تُبعث حيّاً.