*المقدمة*
ليسَ بخافٍ على المُهتمين بالشأن الأمنيّ, أنّ تنظيم الدولة الاِسلامية أو ما يُسمى (داعش) يرسم معالم خريطة انتشاره وفق استراتيجية ممنهجة تستند إلى التحدي والقدرة على البقاء والتوسع الجغرافي رغم ما يواجهه من ضغوط عسكرية أو سياسيّة أو إقتصادية, حيث يواصل - داعش - هجماته بين الفَينة والأخرى باثاً حالة من الفوضىٰ والحيرة في صفوف القوات الأمنية المختلفة.
ففي علم النفس يمثل الشعار الذّي تحمله التنظيمات أو حتى الحركات والتيارات والأحزاب السياسية, وسيلة لترسيخ الهوية الجماعية بين أعضاء التنظيم ويُعزّز من روح الانتماء والولاء وإنّ شعار تنظيم داعش الارهابي (باقيّة وتتمدّد), يُستخدم في سياقات متعدّدة ويعكس قوته وقدرته على المواجهة والبقاء رغم جميع التحديات والإخفاقات التي تواجهه, كما يُستخدم كأداة دعائية لجذب المجندين الجُدد وتعزيز الثقة بين الأعضاء الحاليين من جهة وجزءاً من الحرب النفسية التي يمارسها ضدّ خصومه من جهة أخرىٰ, حيث يهدف إلى زرع الخوف لإظهار صلابة وثبات مقاتليه.
بالتالي، فإنَ شعار (دولة الاسلام باقية وتتمدّد) لا يمثل فقط تعبيراً عن الأيديولوجية التي يتبناها، بل هو أداة استراتيجية ثابتة لا تتغير بتغير موازين القوّة ولا تتأثر بمخرجاتها واِنّما تعكس طموحات التنظيم وأهدافه في البقاء والتوسع وكذلك التمويل الذاتي, ولمواجهته يتعيّن علىٰ الأجهزة الاستخبارية العمل بما يتناسب مع تلك الاِستراتيجية وذلك الطموح.
*الغاية*
الوقوف على بعض نقاط الضعف الاستخباري في مواجهة الأحداث والتحديات الأمنية، لدرءِ خطر تهديدات داعش الاِرهابي.
*باقية وتَتمدّد, المفهوم والأبعاد*
إنّ الاستراتيجيات التي ينتهجها التنظيم - داعش - ليست عشوائية ولا هي خطّة عملياتية تقليدية لمحاولة بسط النفوذ أو السيطرة على مواقع معينة دُفعة واحدة, بل هي خطّة طويلة الأمد تحمي التنظيم من الاندثار وتُؤمن له تحقيق طموحاته, فهو يستند في قرارته علىٰ توفير معلومات استخبارية فعّالة تمكّنه من تهيأة ميدان معركته بصورة تتناسب من امكانياته المتوفرة, فعلىٰ سبيل المثال لا الحصر تواجد عناصر التنظيم في مناطق محدّدة من الصحراء الغربيّة لا يعني بالضرورة قيامها بعمليات ارهابية في تلك المنطقة أو أنها سوف تتوسع جغرافياً باتجاهات أخرى, وانّما هجماتها تكون باتجاه مناطق أخرى خارج نطاق انتشارها وهذا ما يُسمىٰ بالاستغلال الجغرافي الأمثل وتعيين المناطق الحيوية أو المناطق العملياتية المؤثرة.
وكذلك بالنسبة لتوزّيع موارده البشرية والمالية (حسب التقرير المشترك بين مؤسسة راند ومشروع الدراسات التجريبية للصراع في جامعة برينستون ومركز مكافحة الإرهاب في ويست بوينت، عن أُسس تنظيم الدولة الادارة والمال والارهاب في العراق بين عامي ٢٠٠٥-٢٠١٠), فانّها استراتيجية مُتقنة تضمن توزيع الموارد بما يتناسب مع أهدافه المرجوّة, وعلىٰ سبيل المثال تجد عناصره من العراقيين يسيطرون علىٰ مجاميع ومفارز الاستخبارات والأمن لمعرفتهم المحليّة بالأرض والسكّان بينما يُهيمن الأجانب في الأغلب علىٰ مجاميع ومفارز الاِعاقة والاقتحام لكونهم أكثر تعصّباً لأيديولوجية التنظيم.
إن الاستراتيجية التي اعتمدها التنظيم في البقاء والتمدّد, نتجت عن الدروس المستنبطة من تجاربه السابقة والاستفادة من تجارب الآخرين, لقد تيّقن التنظيم أنّ التمدّد الفعّال والمؤثر وان كان بطيئاً فانّه يُؤمن من بقائه ويُطيل من ديمومته.
*ذرائعٌ واهيّة*
بما أنّ مفهومي الفشل والنجاح يعتبران من أهم العوامل النفسية تركيباً وتعقيداً نظراً لارتباطهما بالعديد من المتغيرات الشخصية والاجتماعية, لذا نجد أن المعنيين بالملف الأمني من قادة وآمرين يعزون الفشل في التصدّي للهجمات الارهابية المُتعدّدة في السنوات الأخيرة, الىٰ تمكُّن التنظيم من استغلال سوء الأحوال الجوية أو بسبب المُشاحنات السياسية وكذلك الأحداث الملتهبة على المستوى الإقليمي أو الدولي.
حتىٰ نكون واقعيين ومُنصفين, فأنّ الأمر يُعزىٰ الىٰ هذا وقليل من ذاك, فعلىٰ مرّ العصور تعمل التنظيمات الارهابية أو المتطرفة وحتىٰ الجماعات المُسلحة الىٰ استغلال الفرص لتنفيذ أجنداتها, اِلا أنّ الاهمال أو سوء الطقس وحتىٰ الخلافات السياسية ليست هي الأسباب الفعلية لتُمكّن داعش من تنفيذ هجماته بعد مرور أكثر من سبعةِ أعوام على اِعلان النصر على داعش الارهابي ولكن, القدرة الاستخبارية المُتدنيّة والقراءة الخاطئة لمعرفة نظام معركة العدو - داعش - وعدم تقييم حجم التهديد الذي يشكله, هي الأسباب الحقيقية وراء تنفيذ تلك الهجمات.
*الاستخبارات الفعّالة*
لا يقتصر علم الاستخبارات على كمية المعلومات التي يمكن الحصول عليها, بل يعتمد على نوعيتها والقدرة علىٰ تحليلها لتقييم التهديد والتهديد المحتمل, فاذا كان الجهد الاستخباري موّجهاً بتقديم المعلومات الآنية والتي غالباً ما تعتمد على مصدر معلوماتي واحد فانّها ستفقد صبغتها الاِستخبارية الأساسية ألا وهي الطبيعة التنبؤية وبالتالي فهي تعرقل عملية صنع القرار, ولكي لا نبخس حقّ بعض الأجهزة الاستخبارية فأنه من الانصاف القول اِنّها كفوءة وتتطلّع الىٰ تقييم التهديدات بأسلوب مهني.
لكن، الفكرة السائدة لدىٰ أغلب الأجهزة الاستخبارية تتمحور حول كيفية التقليل من خطر التنظيم لا القضاء عليه, فهي لا تستطيب فكرة اعتماده – داعش – علىٰ استراتيجيات عمل فعلية، رغم تنفيذه لعدّة عمليات اِرهابية – آخرها يوم السبت الموافق ٢٦ نيسان ٢٠٢٥م حيث تبنّىٰ رسمياً ومن خلال منصّة أعماق, تفجير عبوة ناسفة استهدفت تجمعاً للحشد العشائري في محافظة ديالىٰ، علاوةً علىٰ عودته وبقوّة في سوريا والتي تُعتبر منطقة تأثير علىٰ العراق - أَثبت من خلالها قدرته علىٰ مواجهة جميع التحديات ولملمة شتاته والاستمرار في تشكيله لتهديد كبير علىٰ المستويين الأمني والقومي.
الخاتمة
تُعتبر الاستخبارات الفعّالة عنصراً حيوياً في تحقيق الأمن والاستقرار علىٰ المستويات المحلية والاقليمية والدولية, فهي لا تقتصر علىٰ جمع المعلومات فحسب وانّما تتعدىٰ ذلك اِلىٰ تحليلها وتفسيرها بشكل يُمكِّن أصحاب القرار من اتخاذ قرارات استراتيجية مدروسة، من خلال توفير رُؤىٰ دقيقة حول التهديدات المحتملة، كما تساهم الاستخبارات المؤثرة في تعزيز القدرة علىٰ التنبؤ والاستجابة للأزمات.
إن الاستثمار في تطوير قدرات الاستخبارات وتبنّي تقنيات حديثة تضمن التنسيق العالي بين الأجهزة الاستخبارية المختلفة وتوزيع الأدوار, يُسهم في تعزيز فاعليتها ويساعد في صنع القرار المناسب في ظلّ عالم يتسم بالتعقيد والتغير السريع.
في الختام، يمكن القول (اِعرف عدوّك, تكسب المنازلة) فالاستخبارات الفعالة ليست مجرد أداة لجمع المعلومات، بل هي التنبؤ بالحدث قبل وقوعه من خلال بناء استراتيجيات عمل فعّالة تهدف للتنبؤ بنوايا العدو الآنية والمحتملة وتُسهم في الحفاظ على الأمن الوطني والقومي .