مشهد سياسي متشظي منذ قرار الرئيس حل الجمعية الوطنية بعد فوز اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية، دخلت البلاد مرحلة من عدم الاستقرار السياسي غير المسبوق في تاريخ الجمهورية الخامسة. الانتخابات التشريعية المبكرة التي أعقبت ذلك أفرزت برلمانًا منقسمًا بين ثلاث كتل رئيسية: يسارية، يمين وسط، ويمين متطرف، دون أن تحظى أي منها بأغلبية واضحة، مما جعل تشكيل حكومة مستقرة أمرًا بالغ الصعوبة.
تصويت حاسم وسقوط متوقع رئيس الوزراء الحالي طلب تصويتًا على الثقة بحكومته على خلفية مشروع ميزانية مثير للجدل يتضمن إجراءات تقشفية صارمة. وقد أعلنت الكتل المعارضة، من اليسار واليمين المتطرف، رفضها للمشروع، ما يجعل سقوط الحكومة شبه مؤكد ويمهد لمرحلة جديدة من الغموض السياسي في واحدة من أبرز دول الاتحاد الأوروبي.
خيارات مفتوحة... واستقطاب متزايد في ظل هذا الانسداد، يدعو اليمين المتطرف إلى حل سريع للجمعية الوطنية، مدعومًا بنتائج استطلاعات الرأي التي ترجّح تقدمه في أي انتخابات جديدة. من جهته، يرفض الرئيس اللجوء إلى هذا الخيار، لكنه لا يستبعده تمامًا. أما اليسار الراديكالي، فيطالب باستقالة الرئيس نفسه، في حين تظهر استطلاعات الرأي رغبة شعبية متزايدة في إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وهو ما يرفضه ماكرون مؤكدًا عزمه على إكمال ولايته.
معضلة تشكيل حكومة توافقية الحزب الاشتراكي يبدو الأكثر استعدادًا لطرح بديل حكومي، مقدمًا برنامجًا اقتصاديًا يعتمد على فرض ضرائب على الثروات وتعليق إصلاحات سابقة. لكن هذا الطرح يهدد بتفكك التحالف الحكومي الحالي، مع احتمال انسحاب أحزاب يمينية ووسطية، ما يزيد من تعقيد المشهد. في المقابل، يرفض اليسار الراديكالي أي تحالف مع الوسط، واصفًا ذلك بأنه "صفقة سياسية غير مقبولة".
يرى مراقبون أن الحل قد يكمن في اختيار شخصية توافقية لا تنتمي لأي من الكتل الكبرى، وتكون قادرة على تهدئة الأوضاع داخليًا وخارجيًا، خاصة في ظل التوترات الاقتصادية والاجتماعية المتصاعدة.