من نصب الله " ( 4 ) النصب الاقامة ، والغرض بالتحريك الهدف ، قال في المصباح : الغرض الهدف الذي يرمي إليه ، والجمع أغراض ، وقولهم : غرضه كذا على التشبيه بذلك ، اي مرماه الذي يقصده انتهى ، وهنا كناية عن كثرة المخاصمة في ذات الله سبحانه وصفاته فان العقول قاصرة عن إدراكها ، ولذا نهي عن التفكر
__________________________________________________
( 1 ) رجال الكشي ص 374 .
( 2 ) رجال الكشى ص 380 .
( 3 ) شروع في شرح الحديث الثاني .
( 4 ) شروع في شرح الحديث الثالث .
[406]
فيها كما مر في كتاب التوحيد ، وكثرة التفكر والخصومة فيها يقرب الانسان من كثرة الانتقال من رأي إلى رأي لحيرة العقول فيها ، وعجزها عن إدراكها ، كما ترى من الحكماء والمتكلمين المتصدين لذلك ، فانهم سلكوا مسالك شتى ، والاكتفاء بما ورد في الكتاب والسنة ، وترك الخوض فيها أحوط وأولى .
ويحتمل أن يكون المراد الانتقال من الحق إلى الباطل ، ومن الايمان إلى الكفر ، فان الجدال في الله والخوض في ذاته وكنه صفاته يورثان الشكوك والشبهة ، قال الله تعالى : " ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير " ( 1 ) وقال جل شأنه : " وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنك إذا مثلهم " ( 2 ) إلى غير ذلك من الآيات في ذلك .
و " أولئك " من أفعال المقاربة بمعنى القرب والدنو ، ومنهم من ذهب هنا إلى ما يترتب على مطلق الخصومة مع الخلق ، وقال : الانتقال التحول من حال إلى حال ، كالتحول من الخير إلى الشر ، ومن حسن الافعال إلى قبح الاعمال المقتضية لفساد النظام ، وزوال الالفة والالتيام ، وقيل : المراد كثرة الحلف بالله في الدعاوي والخصومات فانه أو شك أن ينتقل مما حلف عليه إلى ضده خوفا من العقاب ، فيفتضح بذلك ، ولا يخفى ما فيهما .
8 كا : علي بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن عمار بن مروان قال : قال أبوعبدالله عليه السلام : لا تمارين حليما ولا سفيها ، فان الحليم يقليك ( 3 ) والسفيه يؤذيك ( 4 ) .
بيان : الحليم المعنيين المتقدمين اي العاقل والمتثبت المتأني في الامور والسفيه يحتمل مقابليهما ، والمعنيان متلازمان غالبا ، وكذا مقابلاهما ، والحاصل
__________________________________________________
( 1 ) ( 1 ) الحج : 8 .
( 2 ) الانعام : 68 .
( 3 ) يغلبك خ ل .
( 4 ) الكافي ج 2 ص 301 .
[407]
أن العاقل الحازم المتأني في الامور لا يتصدى للمعارضة ، ويصير ذلك سببا لان يبطن في قلبه العداوة ، والاحمق المتهتك يعارض ويؤذي ، في القاموس قلاه كرماه ورضيه قلي وقلاء ومقلية أبغضه وكرهه غاية الكراهة فتركه أو قلاه في الهجر وقليه في البغض .
9 كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن الحسن بن عطية ، عن عمر ابن يزيد ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ما كاد جبرئيل يأتيني إلا قال : يا محمد اتق شحناء الرجال وعداوتهم ( 1 ) .
بيان : " ما كاد " في القاموس كاد يفعل كذا قارب وهم ، وفي بعض النسخ " ما كان " وفي الاول المبالغة أكثر اي لم يقرب إتيانه إلا قال ، والشحناء بالفتح البغضاء والعداوة ، والاضافة إلى المفعول أي العداوة مع الرجال ، ويحتمل الفاعل أيضا أي العداوة الشايعة بين الرجال ، والاول أظهر " وعداوتهم " تأكيد أو المراد بالاول فعل ما يوجب العداوة أو إظهارها قال في المصباح : الشحناء العداوة والبغضاء وشحنت عليه شحنا من باب العداوة أو إظهارها قال في المصباح : الشحناء العداوة والبغضاء وشحنت عليه شحنا من باب تعب حقدت وأظهرت العداوة ومن باب نفع لغة .
10 كا : عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن الحسن بن الحسين الكندي ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال جبرئيل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وآله : إياك وملاحاة الرجال ( 2 ) .
بيان : قال في النهاية فيه : نهيت عن ملاحاة الرجال ، أي مقاولتهم ومخاصمتهم يقال : لحيت الرجل ألحاه إذا لمته وعذلته ، ولاحيته ملاحاة ولحاء إذا نازعته .
11 كا : عنه ، عن عثمان بن عيس ، عن عبدالرحمن بن سيابة ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إياكم والمشارة فانها تورث المعرة ، وتظهر العورة ( 3 ) .
بيان : " في النهاية فيه : لا تشار أخاك ، هو تفاعل من الشر اي لا تفعل به شرا يحوجه إلى أن يفعل بك مثله ، ويروى بالتخفيف وفي الصحاح المشارة المخاصمة " فانها تورث المعرة " قال في القاموس : المعرة الاثم والاذى والغرم والدية والخيانة
__________________________________________________
( 31 ) الكافي ج 2 ص 301 .
[408]
" وتظهر العورة " أي العيوب المستورة .
وقال الجوهري : العورة سوءة الانسان وكل ما يستحيى منه ، وفي بعض النسخ المعورة اسم فاعل من أعور الشئ إذا صار ذا عوار أو ذاعورة ، وهي العيب والقبيح وكل شئ يستره الانسان أنفة أو حياء فهو عورة ، والمراد بها هنا القبيح من الاخلاق والافعال ، وعلى النسختين المراد ظهور قبايحه وعيوبه إما من نفسه فانه عند المشاجرة والغضب لا يملكها فيبدو منه ما كان يخفيه ، أو من خصمه فان الخصومة سبب لاظهار الخصم قبح خصمه ، لينتقص منه ، ويضع قدره بين الناس .
12 كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن عنبسة العابد ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إياكم والخصومة ، فانها تشغل القلب وتورث النفاق ، وتكسب الضغاين ( 1 ) .
بيان : " فانها تشغل القلب " عن ذكر الله وبالتفكر في الشبه والشكوك والحيل لدفع الخصم وبالغم والهم أيضا ، والضغاين جمع الضغينة وهي الحقد وتضاغنوا انطووا على الاحقاد .
13 كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن مهران عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ما أتاني جبرئيل قط إلا وعظني فآخر قوله لي : إياك ومشارة الناس فانها تكشف العورة ، وتذهب بالعز ( 2 ) .
بيان : روى الشيخ في مجالسه عن الرضا ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إياكم ومشارة الناس فانها تدفن العرة ، وتظهر الغرة .
العرة الاولى بالعين المهملة والثانية بالمعجمة ، وكلاهما مضمومتان ، وروت العامة أيضا من طرقهم هكذا قال في النهاية : فيه إياكم ومشارة الناس فانها تدفن العرة وتظهر الغرة ، الغرة ههنا الحسن والعمل الصالح شبهه بغرة الفرس ، وكل
__________________________________________________
( 1 ) الكافي ج 2 ص 301 .
( 2 ) الكافي ج 2 ص 302 .
[409]
شئ ترفع قيمته فهو غرة ، والعرة هي القذر وعذرة الناس ، فاستعير للمساوي والمثالب .
14 كا : عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبدالحميد ، عن الوليد بن صبيح قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ما عهد إلي جبرئيل في شئ ما عهد إلي في معاداة الرجال ( 1 ) .
بيان : كلمة " ما " في الاولى نافية ، وفي الثانية مصدرية ، والمصدر مفعول مطلق للنوع ، والمراد هنا المداراة مع المنافقين من أصحابه كما فعل صلى الله عليه وآله أو مع الكفار ايضا قبل الامر بالجهاد ، أو الغرض بيان ذلك للناس .
15 كا : عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن ابي عبدالله ، عن بعض أصحابه رفعه قال : قال أبوعبدالله عليه السلام : من زرع العداوة حصد ما بذر ( 2 ) .
بيان : " حصد ما بذر " في الصحاح بذرت البذر زرعته ، أي العداوة مع الناس كالبذر يحصد منه مثله ، وهو عداوة الناس له .
__________________________________________________
( 21 ) الكافي ج 2 ص 302 .
[410]
كلمة المصحح : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله أمناء الله .
وبعد : فقد تفضل الله علينا وله الفضل والمن حيث اختارنا لخدمة الدين وأهله ، وقيضنا لتصحيح هذه الموسوعة الكبرى وهي الباحثة عن المعارف الاسلامية الدائرة بين المسلمين : أعني بحار الانوار الجامعة لدرر أخبار الائمة الاطهار عليهم الصلوات والسلام .
وهذا الجزء الذي نخرجه إلى القراء الكرام هو الجزء السابع من المجلد الخامس عشر ، وقد اعتمدنا في تصحيح الاحاديث وتحقيقها على النسخة المصححة المشهورة بكمباني ، بعد تخريجها من المصادر وتعيين موضع النص من المصدر ، وقد سددنا ما كان في طبعة الكمباني من خلل وبياض مع جهد شديد بقدر الامكان .
نسأل الله العزيز أن يوفقنا لادامة هذه الخدمة المرضية بفضله ومنه .
محمد الباقر البهبودي
[411]
بسمه الله تعالى إلى هنا انتهى الجزء السابع من المجلد الخامس عشر ، وكان آخر أجزائه ، وهو الجزء السبعون حسب تجزئتنا يحتوي على أربعة وعشرين بابا من أبواب مساوي الاخلاق .
ولقد بذلنا جهدنا في تصحيحه ومقابلته وعرضه على المصادر فخرج بعون الله ومشيئته نقيا من الاغلاط إلا نزار زهيدا زاغ عنه البصر ، أو كل عنه النظر ، ومن الله العصمة والتوفيق .
السيد ابراهيم الميانجى - محمد الباقر البهبودي
[412]
استدراك واعتذار وقع في هامش الصفحة 156 من ج 77 ذيل قول النبي صلى الله عليه وسلم ( لكل شئ أساس وأساس الاسلام حبنا أهل البيت ) أغلاط مطبعية قد يخل بالمعنى ، ويفهم منها أن المراد تعميم شمول آية التطهير لغير أهل البيت المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين ، وليس كذلك ، كيف وهو باطل باجماع المسلمين ، بل المراد أن المحبة التي هي أساس الاسلام وهي التي يعبر عنها ، بالتولى لايبعد أن تعم غير أهل البيت عليهم السلام أيضا لقول ابراهيم عليه السلام ( ومن تبعني فانه مني ) وقول رسول الله صلى الله عليه وآله ( سلمان منا أهل البيت ) وهذه الشبهة انما نشأت من تصحيف كلمة واحدة لدى الطباعة وهي كلمة ( شمول ) في السطر 22 ، والصحيح ( وجوبها ) يعني وجوب تلك المحبة .
هذا ! وقد وقع في ذيل الصفحة 200 من ج 77 أيضا السطر 20 جملة اخرى طغى بها القلم نعتذر بذلك إلى القراء الكرام ، والله ولي العصمة والتوفيق .
علي اكبر الغفاري