عرض مشاركة واحدة
قديم 11-19-2010, 05:04 PM   #1
الطريبيلي
 
الصورة الرمزية الطريبيلي
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 1,072
معدل تقييم المستوى: 16
الطريبيلي is on a distinguished road

اوسمتي

المستوى : 28 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
الحياة 0 / 695

النشاط 357 / 29884
المؤشر 82%

Icon25 الرياضة ومجاهدة النفس

الرياضة ومجاهدة النفس

قال الله تعالى: (وأمّا من خاف مقام ربّه ونهى النفس عن الهوى * فإنّ الجنة هي المأوى)(1).
وقال عزّ من قائل: (والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا وإنّ الله لمع المحسنين)(2).
لاشكَّ في أنّ النفس أمّارة بالسوء، وميّالة للكسل، والدِّعة، ومحبّة للتحرّر من قيود الدين (بل يريد الإنسان ليفجر أمامه)(3) إذن لا يمكن حبسها على سبيل الخير والإصلاح إلاّ بترويضها ومجاهدتها.
وأيضاً من خواصّ النفس أ نّها تخادع نفسها، وتغطّي الحقيقة، وتجعل الإنسان غافلاً عن معايبه، فلابدّ من رياضة النفس ومجاهدتها في كشف المعايب، كما لابدّ من الرياضة في رفعها وتصفية النفس منها.
وقد ذكر بعض(4) أنّ هناك طرقاً أربعة لكشف معايب النفس ينبغي سلوك

--------------------------------------------------------------------------------
(1) السورة 79، النازعات، الآيتان: 40 ـ 41.
(2) السورة 29، العنكبوت، الآية: 69.
(3) السورة 75، القيامة، الآية: 5.
(4) راجع المحجة 5/112 ـ 114 نقلاً عن كتاب الإحياء.


بعضها; لكشف تلك العيوب لغير من كملت بصيرته، فإنّ الله ـ تعالى ـ إذا أراد بعبد خيراً بصّره بعيوب نفسه، فمن كملت بصيرته لم تخْفَ عليه عيوبه، وإذا عرف العيوب أمكنه العلاج، ولكنّ أكثر الخلق جاهلون بعيوب أنفسهم، يرى أحدهم القذى في عين أخيه، ولا يرى الجذع في عين نفسه، فمن أراد أن يقف
على عيوب نفسه فله أربع طرق:

الأوّل ـ أن يجلس بين يدي بصير بعيوب النفس، مطّلع على خفايا الآفات، فارغ عن تهذيب نفسه، فيحكّمه على نفسه، ويتّبع إشاراته في مجاهدته، ومَنْ وجد ذلك فقد وجد الطبيب، فليلازمه ، فهو الذي يخلّصه من مرضه، وينجيه من الهلاك، إلاّ أنّ هذا قد عزّ في هذا الزمان وجوده.
والثاني ـ أن يطلب صديقاً صدوقاً بصيراً متديناً، فينصبه رقيباً على نفسه; ليراقب أحواله وأفعاله، فما يكرهه من أخلاقه وأفعاله وعيوبه الباطنة والظاهرة ينبّهه عليه حيث قد تغفل النفس عن عيوب نفسه ولكن تلتفت إلى عيوب غيره، فإن كنتُ أغفل أنا عن عيوب نفسي كان بإمكاني أن أستعين في كشفها بغيري من صديق صدوق متديّن بصير، فهكذا كان يفعل الأكابر، وكان بعضهم يقول: رحم الله من أهدى إليَّ عيوبي، وكلّ مَنْ كان أوفر عقلاً، وأعلى منصباً كان أقلّ إعجاباً، وأعظم اتّهاماً لنفسه.
إلاّ أنّ هذا ـ أيضاً ـ قد قلّ وعزّ، فإنّ الصديق قد يكون حسوداً، أو صاحب غرض، أو يكون صديقاً حقّاً، ولكنّه يداهنك بإخفاء عيبكَ عليك(1)، وقلّ الصديق الذي يترك المداهنة فيخبر بالعيب.
وقد كانت شهوة ذوي الدين أنّ ينبَّهوا على عيوبهم بنصيحة غيرهم. وإذا

--------------------------------------------------------------------------------
(1) وقد يكون حبّه لك مانعاً عن التفاته إلى عيبك كما قيل:
وعين الرضا عن كلّ عيب كليلة *** ولكنّ عين السخط تبدي المساويا



بِنا يكون أبغض الخلق إلينا من ينصحنا، ويعرّفنا عيوبنا، ويكاد يكون هذا مفصحاً عن ضعف الإيمان.

والثالث ـ أن يستفيد معرفة عيوب نفسه من لسان أعدائه، فإنّ عين السخط تبدي المساوي، ولعلّ انتفاع الإنسان بعدوّ مشاحن يذكر عيوبه أكثر من انتفاعه بصديق مداهن يثني عليه، ويمدحه، ويخفي عنه عيوبه، إلاّ أنّ الطبع مجبول على تكذيب العدوّ، وحمل ما يقوله على الحسد، ولكنّ البصير لا يخلو من الانتفاع بقول اعدائه، فإن مساويه لابدّ وأنّ تنتشر على ألسنتهم.
الرابع ـ أن يخالط الناس، فكلّ ما يراه مذموماً فيما بين الخلق يطالب نفسه بتركه، وما يراه محموداً يطالب نفسه به; لأنّ الإنسان يعمى عن رؤية عيوب نفسه، ولكنّه يرى عيوب غيره، إذن فبإمكانه أن يعرف أولاً عيوب الآخرين، ثُمّ يسري الأمر إلى نفسه عن طريق المقايسة، فيتفقّد نفسه، ويطهّرها من كلّ ما يذّمه من غيره، كما ويحاول ارتداء ما يراه محموداً من غيره، وناهيك بهذا تأديباً، فلو ترك الناس كلُّهم ما يكرهونه من غيرهم لاستغنوا عن المؤدِّب. انتهى ملخصاً وبشيء من التصرف في الألفاظ.
وأمّا روايات مجاهدة النفس فنقتصر على ذكر بعضها، نرويها عن كتاب الوسائل(1):
1 ـ «إن النبيّ بعث سريّة، فلمّا رجعوا قال: مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر، وبقي عليهم الجهاد الأكبر، فقيل: يا رسول الله ما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد النفس».
2 ـ عن الصادق : «احمل نفسك لنفسك، فإن لم تفعل لم يحملك غيرك».

--------------------------------------------------------------------------------
(1) الوسائل 15/161 ـ 162، الباب 1 من جهاد النفس، الأحاديث 1 و 2 و 3 و 4 و 6 و 8 .



3 ـ عن الصادق قال لرجل: «إنّك قد جُعِلت طبيب نفسك، وبُيّن لك الداء، وعرفت آية الصحة، ودللت على الدواء، فانظر كيف قيامك على نفسك».
4 ـ عن الصادق قال لرجل: «اجعل قلبك قريناً برّاً وولداً واصلاً، واجعل علمك والداً تتّبعه، واجعل نفسك عدوّاً تجاهده، واجعل مالك عارية تردّها».
5 ـ عن الصادق : «مَنْ لم يكن له واعظ من قلبه وزاجر من نفسه ولم يكن له قرين مرشد استمكن عدوّه من عنقه».
6 ـ عن الصادق : «مَنْ ملك نفسه إذا رغب، وإذا رهب، وإذا اشتهى، وإذا غضب، وإذا رضي، حرّم الله جسده على النار».



من كتاب تزكية النفس
سماحة آية الله العظمى السيد كاظم الحسيني الحائري
__________________

التعديل الأخير تم بواسطة الطريبيلي ; 11-19-2010 الساعة 05:09 PM
الطريبيلي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس