التسجيل التعليمـــات التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة

اللهم كن لوليك الحجة ابن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعه وفي كل ساعه وليا وحافظا وقائدا وناصرا ودليلا وعينا حتى تسكنه ارضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا ارحم الراحمين وصلى الله على محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين .. اللهم انا نشهدكَ بأننا والينا محمدا وعلي وفاطمه والحسن والحسين والائمة المعصومين من ذرية الحسين .. وارواحنا فداء لحجتك المنتظر ..
التميز خلال 24 ساعة
العضو المميز الموضوع المميز المشرف المميز المشرفة المميزه
كينج دمنهور أنواع التنظيف المنزلي
بقلم : كينج دمنهور
قريبا قريبا

العودة   منتديات فدك الثقافية > واحة المنتديات الأدارية > منتدى الأرشيف > منتدى عاشوراء

منتدى عاشوراء كل مايخص بذكرى عاشوراء الحسين "عليه السلام"

الإهداءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-28-2010, 10:34 PM   #1
خالد الاسدي
 
الصورة الرمزية خالد الاسدي
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
الدولة: العـــــراق
العمر: 63
المشاركات: 5,480
معدل تقييم المستوى: 19
خالد الاسدي is on a distinguished road

اوسمتي

المستوى : 53 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
الحياة 130 / 1306

النشاط 1826 / 53372
المؤشر 26%

Thumbs up مدرسة عاشوراء الخالدة دروس وعبر

بسم الله الرحمن الرحيم
مدرسة عاشوراء الخالدة دروس وعبر

الكاتب السيد صباح بهبهاني/البهبهاني


بسم الله الرحمن الرحيم


منقول
الحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله على محمّد وآله الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين.


إطلالة عاشوراء


مرّة أخرى يطلّ علينا شهر محرّم الحرام وذكرى عاشوراء.
لقد تمّ إحياء هذه المناسبة منذ استشهاد سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام إلى يومنا هذا ألفاً وعدّة مئات من المرّات، وفي كلّ مرّة يستلهم محبّو الإمام قيماً ومفاهيم جديدة من خلال مدرسة عاشوراء الخالدة.
لقد بقي نور هذه الملحمة العظيمة مضيئاً عبر العصور، فترى المؤمنين يتزوّدون من فيضها الغنيّ لدنياهم وأخراهم.
إنّ ذكرى عاشوراء مرّت بمسيرة طويلة من التحوّلات، والتضحيات التي قدّمها الأسلاف والوالهون بسيّد الشهداء عليه السلام حتّى وصلت إلينا هذه المدرسة العاشورائية المناهضة للظلم، العريقة بأهدافها المقدّسة.
ونحن بدورنا إذا أردنا أن نكون من المنتمين حقّاً لهذه المدرسة، يجب علينا أن نبذل الغالي والنفيس من أجلها، وأن نسعى جاهدين لتسليم هذه الأمانة الحسينية، إلى الأجيال اللاحقة، مصونة لا تشوبها شائبة، وفي الوقت نفسه فاعلة ومحفوظة من أيّ زيغ أو حرف. ولا يتحقّق هذا إلاّ إذا خلصت النوايا، وذابت المصالح الشخصية، وحلّ محلّها تحقيق مرضاة الله عزّ وجلّ.


تخليد عاشوراء


ومن أولى مهام محبّي أهل البيت عليهم السلام إعلاء شأن عاشوراء وثقافة عاشوراء، وبرامج عاشوراء، ومجالس عاشوراء، ومواكب عاشوراء وإحياء كلّ ما يتعلّق به ويخلّد ذكراه. ولا يخفى أنّها مسألة محفوفة بالمشاقّ والصعاب، لكنّها مشاقّ عاقبتها الثواب الجزيل والأجر الجميل.
إنّ لمواكب العزاء الحسينية وتلك الشعائر منزلة رفيعة ومقاماً سامياً جعلت العلماء يفخرون بالمشاركة فيها أيّما افتخار.
على سبيل المثال، تقام سنوياً في يوم عاشوراء مراسيم عزاء متميزة في مدينة كربلاء المقدّسة، تعرف بـ (عزاء طويريج)(1)، كان السيّد بحر العلوم(2) ـ وهو من العلماء الأعلام ـ مواظباً على المشاركة فيها، حتى نُقل عنه قوله: لقد شاهدت الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف بين صفوف المعزّين.
وكان يشارك في هذا العزاء الآلاف من الناس، مهرولين حفاة، ضاربين بأيديهم على رؤوسهم وصدورهم ووجوههم، ولقد رأيت مرّات عدّة مراجع كباراً وهم يؤدّون هذه المراسيم مع الجموع المهرولة، كما كان يشارك فيها بعض الوزراء والوكلاء والأعيان... .
هؤلاء لم يكونوا يفعلون ذلك حتى في مجالس عزاء آبائهم، ولم يكونوا ليجزعوا هذا الجزع لو فقدوا أموالهم وثرواتهم. فهنيئاً لهم ثمّ هنيئاً.
إنّ مقيمي المآتم الحسينية إنّما يعزّون النبيّ صلّى الله عليه وآله. يقول الإمام الصادق عليه السلام في هذا المجال:
«يعزّ على رسول الله صلى الله عليه وآله مصرعهم ـ أي الحسين وأهل بيته ـ ولو كان ـ أي رسول الله ـ في الدنيا يومئذ حيّاً لكان صلوات الله عليه وآله هو المعزّى بهم»(3).
فلئن وُفّقنا لإقامة مجالس العزاء الحسينية، وأسدينا خدمة لسيّد الشهداء عليه السلام، وتحمّلنا العناء والمشقّة في هذا السبيل، وكان لنا شرف المشاركة في هذه المآتم، فلا يسعنا إلاّ أن نقول: الحمد لله الذي وفّقنا لهذا. الحمد لله الذي أكرمنا لنستظلّ بمظلّة الإمام الحسين سلام الله عليه. إن هو إلا توفيق من عند الله لنتشرّف بخدمة الإمام سلام الله عليه.
في الواقع، إنّ جلّ ما نملك من مُثُل وقيم هو من بركات تضحيات سيّد الشهداء. فذكرى عاشوراء هي التي غرست في أعماقنا العبودية لله عزّ وجلّ، ومبادئ الإنسانية، والإيثار وخدمة الآخرين، والعطف على الضعفاء، والدفاع عن المظلومين، ولأجل هذا كلّه يجب أن نحافظ على جذوة ملحمة عاشوراء متّقدة على الدوام، وأن نبذل مهجنا دونها، لنضمن الرفعة والشموخ لنا وللأجيال من بعدنا.
إننا ننفق في حياتنا اليومية كثيراً من الأموال وفي مختلف الشؤون، وكذلك نصرف الكثير من الجهد والوقت مع الأولاد والأهل، وفي البيت والعمل والتجارة وما إلى ذلك، ولكن لنعلم أنّ ما ننفقه ونبذله في سبيل الإمام الحسين صلوات الله عليه يضاعف وينمو عند الله سبحانه، ولنعلم أيضاً بأنّ أيّ خطوة نخطوها في خدمة أهل البيت سلام الله عليهم سنثاب عليها بأفضل الثواب.
مسألة أخرى يجب الالتفات إليها وهي: علينا أن نغتنم هذه النعم التي وهبها الله تبارك وتعالى لعباده مقابل تقديم الخدمة في المواكب الحسينية، قبل أن نندم على التفريط بها، ولا مجال حينذاك للعودة إلى الدنيا للتعويض عمّا فات.
ولنعلم بأنّنا إذا كنّا قد وُفّقنا لإحياء المجالس الحسينية، فالفضل في ذلك كلّه يعود لآبائنا وأجدادنا وأسلافنا، فلنتذكّرهم دائماً، ولنعلم بأنّنا نحن أيضاً سنترك تأثيراً على أجيالنا وذلك بحسب هممنا وعزائمنا في خدمة سيّد الشهداء سلام الله عليه.
إنّ شبابنا هم أمانة الله وأهل البيت، عندنا وقد حافظ أسلافنا على الأمانة على أحسن وجه وسلّمونا الدين ومضوا، لذلك علينا أن نسعى بدورنا لأن نصون الأمانة على أتمّ صورة، لنسلّمها إلى الأجيال من بعدنا، فلنحاول أن لا يُحرم أيّ شابّ في محلّتنا أو عشيرتنا أو أحد أصدقائنا من المشاركة في الحسينيات ومجالس العزاء، وإذا كنّا نعرف شباباً كهؤلاء فلنشجّعهم على المشاركة في هذه المجالس، ولندفع الشباب نحو المواكب الحسينية والتي هي حبل النجاة من الضلال والجهل بكلّ وسيلة متاحة، ولنكرّر محاولاتنا معهم مرّة وثانية وثالثة... وهكذا، ولا نيأس من عدم استجابتهم، إلى أن ينضمّوا إلى الصفوف الحسينية.
فلو سألكم مولانا أبو عبد الله سلام الله عليه: «كان فلان شابّاً صالحاً، فلماذا لم تشركوه في هذه المجالس؟» وأجبتم: «يا مولاي حاولنا معه ولم يستجب»، فإنّه سلام الله عليه سيقول لكم: «هلاّ حاولتم مرّة ثانية».
لنحاول دفع الشباب باتجاه المواكب والشعائر الحسينية، فهذه المسألة تحظى بأهمية كبيرة، خاصّة في عالم اليوم حيث تحاول وسائل الأعلام المضلّلة وبشكل واسع إغراء الشباب وجذبهم نحوها.
وعلينا أن نعلم بأنّ كلّ حسينية هي بيت من بيوت الإمام سيّد الشهداء، فلنحاول تجنيب هذه الحسينيات من أن تتحوّل إلى مسرح لطرح الخلافات والنزاعات، بل على العكس، لنجعل منها أماكن للاجتماعات والوحدة والوئام.
هناك نقطة أخرى وهي: أن بعض محبّي أهل البيت هم من الذين يقطنون في مختلف بلدان العالم غير الإسلامية، وهم بأمسّ الحاجة إلى الحسينيات والمساجد والمدارس والكتب لأبنائهم، فإذا كنتم لا تستطيعون بناء الحسينيات والمساجد، فعلى الأقلّ شجّعوا الآخرين على هذا العمل النبيل، أو المساهمة في الأعمال الثقافية المتعلقة بمواكب الإمام الحسين. فقد يتّصل بكم أحد الأقارب أو الأصدقاء هاتفياً أو يبعث لكم برسالة، أو قد تتّصلون أنتم بهم، فهذه فرص مناسبة لتشجيع الآخرين على تقديم الخدمات في سبيل الإمام الحسين عليه السلام، حتى لو بدأ المرء من نقطة الصفر، فإنّ الإمام هو الكفيل بأن يأخذ بيده ليصل بعمله إلى النتيجة المطلوبة.
لقد رأيت بنفسي حسينية تأسّست في إحدى الدول، كانت الأموال التي جمعتْ لها في بادئ الأمر هي من أموال القروض، وخلال 20 عاماً أصبحت أهمّ حسينية في ذلك البلد. لذلك، ابدأوا العمل في هذا الطريق بأقلامكم وألسنتكم وتشجيعكم، وإذا كانت لديكم استطاعة مالية، مهما كانت متواضعة، فلا تتردّدوا، فإنّ أعمالاً كهذه هي التي جعلت أشخاصاً يحظون بمنزلة ومكافآت من الإمام الحسين سلام الله عليه لم ينلها غيرهم.
نقطة أخرى هي أنّه يمكنكم أن تضيئوا مصباح الحسين في بيوتكم، وذلك من خلال إقامة مجالس العزاء الحسينية العامة، فمن تمكّن من فعل ذلك فهنيئاً له، ومن لم يتمكّن فليُقم مجالس عزاء خاصّة في بيته، وإذا تعذّر ذلك أيضاً فيمكنه إقامة مجلس عزاء لأسرته فقط مع مشاركة جار أو قريب له. ولهذا العمل بركات دنيوية جليّة تسبق بركاته الأخروية.
مع أنّ للحضور في الحسينيات والمجالس العامة أهمّيته، لكن من الأفضل أن ينقل المرء هذه البركات إلى داخل بيته، وإذا لم يستطع تحمّل أعباء هذه المجالس، فليكتف بأقلّها، وسترون بأمّ أعينكم كيف أنّ الله سيبارك بها وستتمكّنون حتى من الإطعام.
تابــــــــــــــــع
__________________
السلام عليك يا أبا عبدالله الحُسينْ



لعن الله امة قتلتك يا سيدي و لعن الله امة سمعت بذلك فرضيت


التعديل الأخير تم بواسطة أبوعلي الكاظمي ; 01-14-2011 الساعة 04:42 PM
خالد الاسدي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-28-2010, 10:38 PM   #2
خالد الاسدي
 
الصورة الرمزية خالد الاسدي
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
الدولة: العـــــراق
العمر: 63
المشاركات: 5,480
معدل تقييم المستوى: 19
خالد الاسدي is on a distinguished road

اوسمتي

المستوى : 53 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
الحياة 130 / 1306

النشاط 1826 / 53372
المؤشر 26%

افتراضي رد: مدرسة عاشوراء الخالدة دروس وعبر

بسم الله الرحمن الرحيم



فداحة المصيبة
في الحقيقة، لا يمكننا أن نتصوّر ما كابده سيّدالشهداء عليه السلام في يوم عاشوراء. قد تراود الإنسان أحياناً بعض الخطرات، لكنّه مع ذلك، لا يتصوّر ما جرى في ذلك اليوم فعلاً.
لاشكّ أنّ الإمام المعصوم أرقى وأعقل خلق الله، وله روح عالية تعلو على أرواح جميع المخلوقات، لكن في الوقت نفسه له قلب يطفح بعاطفة تسمو على عواطف جميع البشر، وإن كانت معقودة بأكمل العقول.
لقد ذرف الرسول الكريم صلّى الله عليه وآله الدمع حزناً على فقد ولده إبراهيم، الذي لم يتجاوز العام ونصف العام.
وكان صلّى الله عليه وآله يجهش بالبكاء لدرجة كان كتفاه يهتزّان حتى قال له بعض أصحابه: يا رسول الله، تأمرنا بالصبر وتبكي لهذه المصيبة؟ فقال:
«تدمع العين ويحزن القَلْبُ ولا نقول ما يُسخط الربّ وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون»(4).
فالرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله يبكي كلّ هذا البكاء لفراق ولده ذي الثمانية عشر شهراً، بينما فقد الإمام الحسين يوم عاشوراء أعزّ الناس وأقربهم إليه كأبي الفضل العباس وعلي الأكبر والقاسم... . ولو كان هؤلاء أفراداً عاديين لهان الأمر، ولكنّهم ترعرعوا في حجر الإمامة الطاهر، وكانوا بعد الإمام المعصوم قدوة في الوفاء والنخوة والأصالة، ولا مثيل لهم على وجه الأرض مطلقاً، وإنّنا لنعجز عن أداء حقّهم في وصف مكانتهم.
أجل، في أقلّ من نصف يوم، تجرّع الإمام الحسين كلّ هذه المصائب وتحمّل ما لا يطيقه بشر.
وحينما أراد جيش عمر بن سعد ـ في اليوم الحادي عشر من محرّم ـ اقتياد السبايا إلى الكوفة، كان الإمام السجّاد سلام الله عليه من شدّة ما ألمّ به من مرض لا يقوى على ركوب الناقة، لذلك قاموا بشدّ رجليه من أسفل بطن الناقة. وعندما اقتيد السبايا من وسط ساحة المعركة، رمت النسوة والصبية بأنفسهم على جثث الشهداء، أمّا الإمام السجّاد سلام الله عليه فلم يستطع فعل ذلك، ويقول في هذا الشأن:
فكادت نفسي تخرج فَتَبَيَّنَتْ ذلك عَمَّتـي زينب...(5).
لذلك عندما رأت الإمام السجّاد سلام الله عليه يوشك أن يلفظ أنفاسه، تركت جثث الشهداء وتوجّهت إليه، وذكرت له بعض الأمور ـ والتي طبعاً هو أعلم بها ـ حتى هدأ قليلاً. وقد أخبرت العقيلة زينب ابن أخيها بأنّ هذا الحال لن يدوم، فسوف يأتي زمان يقيم أناس مجالس عزاء للإمام الحسين ويحيون ذكراه. فأسكنت لوعة قلبه الشريف بقولها:
ولقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمّة لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض... ينصبون لهذا الطفّ علماً لقبر أبيك سيّد الشهداء لا يُدرس أثره...(6).
وكلّ ذلك كان بعين الله التي لا تنام حتى تحلّ الساعة التي يأذن الله سبحانه فيها بحكمته العالية انتهاء أمر الصبر لتصل النوبة للعدل الإلهي والانتقام من الظالمين.
أسأل الله ببركة سيّد الشهداء ـ هذا الإمام الهمام الذي هو منشأ البركات في الدنيا والآخرة ـ أن يوفّقنا أكثر فأكثر على طريق خدمته والتزوّد من أهدافه الرفيعة والعون على إقامة المجالس الحسينية المباركة.


ثواب إحياء الشعائر الحسينية


إنّ الذين قدّموا الخدمات الجليلة للإمام الحسين سلام الله عليه، وتحمّلوا في سبيله العناء والعذاب، سيُسَجَّل لهم ما قدّموه بأحرف من نور في سفر التاريخ، وفي المقابل سُتكتب أسماء الذين وجّهوا ولو أدنى إهانة لمواكب العزاء والمآتم الحسينية بأحرف من نار وهوان، أولئك الذين وقفوا في وجه مراسيم العزاء على سيّد الشهداء وكذا بدرجة أقلّ أولئك الذين أعاقوا أو ثبّطوا ذويهم أو الآخرين عن إقامة هذه الشعائر أو المشاركة فيها، كالزوج الذي منع زوجته من المشاركة، أو الزوجة التي ثبّطت من عزيمة زوجها، أو الأخ الذي منع أخاه، أو الجار الذي منع جاره، وبعبارة واحدة: كلّ من وضع عقبة في طريق إقامة الشعائرالحسينية، كلّ ذلك سيسجّل عليهم صغيراً كان أو كبيراً.
إنّ الخاسر الحقيقي هو من انتهك حرمة عزاء سيّد الشهداء وأهل البيت الأطهار سلام الله عليهم بأيّ طريقة كانت، ولن يهنأوا في حياتهم حتى في شربهم الماء، ففي الخبر أن الله تعالى أوّل شيء يحاسِب عليه المرء هي قضية سيّد الشهداء سلام الله عليه، فيحاسب كلّ من كان مع سيّد الشهداء وكلّ من كان ضدّه بل وكلّ من خطا خطوة في طريق سيّد الشهداء سلام الله عليه، وكلّ من خطا خطوة في طريق أعدائه، فيحشر أتباع سيّد الشهداء معه وأعداؤه مع قتلته.
كان هناك عالمان جليلان، رهن أحدهما عمره في خدمة مجالس عزاء سيّد الشهداء لم يتوانَ عن بذل أيّ خدمة بماله أو بلسانه... في هذا السبيل، أمّا الآخر فلم يكن يعر أهميّة تُذكر لهذه القضية. والآن، وبعد مضي سنوات على وفاتهما، كان من الثواب الذي ناله الأوّل هو أنّ الله قد وفّق أبناءه وأحفاده، فجعل منهم المؤلّف والعالم والمدرّس والمرجع الديني، منتشرين في أصقاع الأرض يُحيون ذكرى أبيهم، في حين لم يبق من الثاني أيّ أثر يخلّده، وهذا بالتأكيد نتيجة لتعظيم الأوّل مسألة التفاني والإخلاص لسيّد الشهداء سلام الله عليه، وعدم اكتراث الثاني لهذه المسألة، ومن هنا يتبيّن بأنّ أيّ خدمة تقدّم لمواكب العزاء الحسينية لن تذهب سدى أبداً.
لا بأس بأن نذكر مثالاً آخر من بين آلاف الأمثلة التي يتّضح من خلالها الثواب الذي يُعطى لخدّام المسيرة الحسينية، وقد يحمل كلّ واحد منكم أيضاً في ذاكرته أمثلة أخرى عن بركات وألطاف البيت النبوي لمسها في نفسه أو في بعض أقربائه.
يُروى أنّه كان هناك شخصان أحدهما بائع بسيط بدخل متواضع، والآخر من أغنياء المدينة وأعيانها. كان البائع البسيط يكدّ ويشقى من الصباح حتى المساء لتأمين رزقه، وعندما كان يعود إلى بيته يجلس فيقسّم حاصله اليومي إلى ثلاثة أثلاث، يخصّص ثلثاً منها ويدّخره باسم الإمام الحسين سلام الله عليه، وبمرور الليالي والأيّام وبعد البركة التي أفاضها الله تعالى على رزقه وما ادّخره، اشترى قطعة أرض خارج مدينته وبعد سنوات قليلة شاء الله تعالى أن تتوسّع المدينة، فأدخل التوسّع قطعته تلك إلى داخل المدينة، فبنى فوقها حسينيّة لإقامة العزاء على سيّد الشهداء سلام الله عليه بالإضافة إلى إقامة الفرائض والمراسيم الدينيّة الأخرى. وقد ذكر ابن ذلك الكاسب: بأنّ أهل البلد عرضوا عليه شراء تلك الحسينية مقابل مبلغ 5 مليارات تومان لغرض تحويلها إلى مبنى عام، لكنه رفض وقال: «هذا المكان وقف للإمام الحسين سلام الله عليه ولم يعُد ملكاً لنا».
إنّ خدمات ذلك الكاسب في الدنيا محفوظة له، من خلال المراسيم التي تقام في تلك الحسينية والتي أحيت ذكره، هذا بالإضافة إلى الثواب الأخروي الذي ينتظره، بينما لم أسمع عن ذلك الثريّ أنّه أوقف ولو شبراً واحداً من أملاكه للإمام الحسين سلام الله عليه، حتى آل الأمر إلى أن اقتسم ورثته من بعده كلّ أمواله، ولم يبق له أيّ شيء يحيي اسمه من بعده.
ومن هذا المنطلق، تعتبر قضية الإمام الحسين سلام الله عليه قضية تكوينية، بمعنى أنّه من قدّم خدمة خالصة للإمام، سيثاب عليها في الدنيا قبل الآخرة.
من المناسب هنا أن نتطرّق لرواية تبيّن مدى عظمة الأجر لزائر الإمام الحسين سلام الله عليه ومحيي مجالسه ومعظّم شعائره:
سابقاً كان قبر الإمام الحسين في عرض الصحراء حيث لا أثر أو علامة تميّزه، ولم يكن باستطاعة أحد الاهتداء إليه وزيارته من غير دليل مرشد. ومن ناحية ثانية، كان الجواسيس منتشرين في تلك الناحية ومأمورين بالقبض على كلّ زائر يتّجه صوب القبر المشرّف، لتسليمه إلى السلطات آنذاك. وقد أدخل هذا الأمر الرعب في قلوب الوالهين لزيارة الإمام سلام الله عليه، ولم يكن أحد ليجرؤ على الزيارة. في هذا الصدد، يقول عبد الله بن بُكير(7): قلت له (أي للإمام الصادق سلام الله عليه): إنّي أنزل الأرجان وقلبي ينازعني إلى قبر أبيك، فإذا خرجتُ فقلبي وجِلٌ مشفق حتى أرجع خوفاً من السلطان والسعاة وأصحاب المسالح؟ فقال له الإمام:
يابن بكير أما تحبّ أن يراك الله فينا خائفا؟ أما تعلم أنّه من خاف لخوفنا أظلّه الله في ظلّ عرشه وكان محدّثه الحسين (سلام الله عليه) تحت العرش وآمنه الله من أفزاع يوم القيامة يفزع الناس ولا يفزع فإن فزع وقرته الملائكة وسكّنت قلبه بالبشارة»(8).
ففي ذلك اليوم العصيب الذي ينشغل كلٌّ بنفسه ومصيره، هناك مكان آمن يرفل بالطمأنينة والسكينة ألا وهو ظلّ العرش حيث يقف الإمام الحسين. فأولئك الذين تحمّلوا المشاقّ والهوان في سبيله سلام الله عليه سيحظون بالأمن وبشرف التحدّث معه، أمّا الذين لم يسيروا في ذلك الطريق ولم يتحمّلوا الصعاب فيه فسيحرمون هذه النعمة العظيمة.
حريّ بنا أن نقيّم أعمالنا ونرى ما لمجالس العزاء والحزن على مصاب أهل البيت سلام الله عليهم من ثواب من خلال ما ورد في ذلك عن أهل البيت، فقد روي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنّه قال:
«نَفَسُ المَهمُوم لِظُلْمِنا تَسْبيحٌ، وَهَمّهُ لَنا عِبادَة»(9).
إنّكم تحملون في داخلكم همّاً عظيماً بسبب مصاب الإمام الحسين سلام الله عليه، إذن أنفاسكم كلّها تسبيح تسجّلها الملائكة لكم في صحيفة أعمالكم، ففي كلّ نفس يكتب لكم قول سبحان الله. كما أنّ حزنكم عبادة لكم، إضافة للثواب الذي تحصلون عليه لقاء خدمتكم في هذا الطريق.
لذا، فمن يتحمّل مشاقَّ وأعباءً أكثر ويضع راحته وسهره في خدمة الإمام الحسين سلام الله عليه، بطبيعة الحال له أجرٌ أعظم.
يُنقل أنّ أحد الأفراد من أهل العلم، كانت له رؤيا(10) لاثنين من الفقهاء الأفاضل، أحدهما الشيخ الأنصاري رحمه الله الذي تنهل الحوزات العلمية الدينية من علمه منذ 150 عاماً، والآخر الشيخ الدربندي رحمه الله. هذان العالمان كانا زميلي دراسة في مرحلة الشباب، وكانا من تلامذة المرحوم شريف العلماء رحمه الله، وأصبح كلاهما فيما بعد مرجعين للتقليد، وفي ذلك الوقت كان الشيخ الأنصاري هو المرجع العام للشيعة، والدربندي له مرجعية محدودة. ذات يوم عزم أحد طلاّب الشيخ الأنصاري ـ وكان طالباً مجدّاً يحمل صفات العلم والورع ـ على السفر إلى إيران، فقام الشيخ الأنصاري بوداعه حتى مشارف المدينة مشياً على الأقدام. وكان قد عزم ذلك الطالب على السفر أوّلاً إلى مدينة كربلاء ثمّ الكاظمية وسامراء ليواصل بعدهما سفره إلى إيران، لكنّه وفي اليوم التالي توقّف ولم يكمل ما عزم عليه في المسير إلى كربلاء، ورجع من وسط الطريق. وعندما رأى الشيخ الأنصاري تلميذه في النجف الأشرف سأله: «لماذا عدت؟!» أجابه: ليلة أمس غلبني النوم وأنا في منتصف الطريق في جوف الصحراء، فرأيت ملكاً في منامي يقول لي: إلى أين أنت ذاهب في هذه الصحراء، إنّك راحل عن هذه الدنيا بعد أقلّ من ثلاثة أيّام. وهذا القصر لك ـ وأشار الملك إلى قصر ـ. ولم أكن أعلم على وجه اليقين إن كانت هذه رؤيا صادقة أم لا، فقفلت راجعاً إلى النجف، لأكون عند أمير المؤمنين سلام الله عليه وليس في الصحراء فيما لو تحقّقت الرؤيا، وإذا بان خطؤها أواصل رحلتي من جديد. وبالفعل، تحقّقت الرؤيا وتوفّي الرجل فعلاً بعد الرؤيا بأقلّ من ثلاثة أيّام كما وُعد بذلك.
يروي هذا الشخص نفسه للشيخ الأنصاري بأنّه قد رأى في ذلك المنام أيضاً قصراً شامخاً فسأل: لمن هذا القصر؟ فقيل له: «إنّه للشيخ الأنصاري»، وفي ناحية مجاورة من ذلك القصر رأى قصراً آخر أفخم من القصر الأوّل، فسأل: وهذا لمن؟ قيل له: «هذا قصر الشيخ الدربندي»(11). وكان المتحدّث يعرف الشيخين جيداً، ويعلم أنّ مرجعية الشيخ الدربندي لا تضاهي مرجعية الأنصاري، لذلك أثارت فخامة قصر الشيخ الدربندي في تلك الرؤيا السؤال في نفسه ليسأل الملك عن سبب ذلك، لأنّه من المتوقع أن يكون قصر الأنصاري أكثر فخامة وعظمة، فأجابه المَلَك قائلاً: «هذا ليس جزاء أعمال الدربندي العامّة، بل هو هدية له من قِبل الإمام الحسين سلام الله عليه لقاء اهتمامه بمجالسه».
وكما أنّ لخدمة المواكب الحسينية وتعظيم شعائرها ثواباً وأجراً جزيلاً، كذلك فإنّ التصدّي لهذه المواكب ومحاربتها ستكون لهما عاقبة سيّئة. ومن يضع العراقيل في طريق المواكب الحسينية، سيلقى جزاءه في دار الدنيا قبل الآخرة؛ لأنه بذلك يكون كمن يحارب الإمام الحسين سلام الله عليه. إنّ الثواب الحقيقي للأعمال عموماً يُكشف عنه في يوم الحساب، لكنّ المسيء للإمام الحسين سيدفع ثمن ذلك في الدنيا قبل الدار الآخرة.

تابـــــــــــــــع
__________________
السلام عليك يا أبا عبدالله الحُسينْ



لعن الله امة قتلتك يا سيدي و لعن الله امة سمعت بذلك فرضيت

خالد الاسدي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-28-2010, 10:41 PM   #3
خالد الاسدي
 
الصورة الرمزية خالد الاسدي
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
الدولة: العـــــراق
العمر: 63
المشاركات: 5,480
معدل تقييم المستوى: 19
خالد الاسدي is on a distinguished road

اوسمتي

المستوى : 53 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
الحياة 130 / 1306

النشاط 1826 / 53372
المؤشر 26%

افتراضي رد: مدرسة عاشوراء الخالدة دروس وعبر

بسم الله الرحمن الرحيم



استلهام الدروس من عاشوراء
إنّ المشاركة والخدمة في المجالس الحسينية فيها ثواب عظيم، ولكن الأمر لا ينتهي عند هذا الحدّ، فلم يكن يوم عاشوراء مناسبة للندب والتعزية حسب، بل كان وما يزال وقفة للتأسّي بدروسه والاقتداء بأبطاله، فيجب علينا أن نقتدي بسيّد الشهداء عليه السلام وأن نتأسّى به في جميع شؤوننا.
إنّ من بين ما تميّزت به قضية الإمام الحسين سلام الله عليه ميزتين هامّتين هما: العَبرة والعِبرة، وتكاد تكون هاتان الميزتان متلازمتين. فالذي يحظى بمنزلة أرفع وحرمة أكبر عند سيّد الشهداء هو الأقدر على الجود في العَبرة وأخذ العِبرة من قضية الإمام. وعلى قدر السعي والجدّ في هاتين المسألتين سوف يحظى الفرد بالثواب والجائزة.
وكلّما جاد الإنسان في البكاء والأسى على مصاب الإمام الحسين، أظهر للعالم استنكاره لما جرى على الإمام سلام الله عليه، بمعنى أنّ العبرة على الإمام مظهر لنصرته في أيّ وقت كان.
بعبارة أخرى: إنّ توقّع الإمام الحسين سلام الله عليه من الأفراد يتناسب مع منزلتهم ومقامهم. ولم يهمل المعصومون سلام الله عليهم في رواياتهم هذا الجانب، أي منازل الأفراد، حيث يقول الإمام الصادق سلام الله عليه لأحد أصحابه:
«إنّ الحسن من كلّ أحد حسن وإنّه منك أحسن لمكانك منّا، وإنّ القبيح من كلّ أحد قبيح وإنّه منك أقبح...(12).


1. انقاذ الناس من عتمة الجهل


وفيما يتعلّق بالميزة الثانية ـ وهي أخذ العِبرة ـ فقبل كلّ شيء يجب أن نعلم لماذا اختار الإمام وأبناؤه وأصحابه طريق الشهادة، وبهذه الطريقة المفجعة؟ ولعلّ زيارة الأربعين تجيب عن تساؤلنا، حيث جاء فيها:
«وبَذَلَ مُهجَتَهُ فيكَ لِيَسْتَنْقِذَ عِبادَكَ مِنَ الجَهالَةِ وَحَيْرَةِ الضَّلالَةِ»(13).
إنّ أئمّتنا سلام الله عليهم كلّهم قد بذلوا مهجهم في سبيل الله ومن أجل هداية الناس، وكما روي عنهم سلام الله عليهم «ما منّا إلاّ مقتول أو مسموم...»(14) فلماذا خُصّ سيد الشهداء بهذا التعبير؟
إنّ الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه باستشهاده قد فتح مدرسة العِبرة للجميع، ليقارعوا الظلم ويتحمّلوا الشدائد والمصاعب حتى يذوقوا طعم السعادة.
إنّ شهادة الإمام سلام الله عليه هي اختبار للناس وإتمام للحجة، وفي ذات الوقت مشعل هداية ونجاة من الجهل والتيه والظُلمة. فسيّد الشهداء هيّأ أسباب الهداية ومهّد طريقها للناس، عندما قدّم دمه الزكي من أجل النجاة من الضلالة والجهالة ليرتقي الناس إلى السعادة والفلاح.
ومهمّتنا نحن وأمثالنا أن نتمثّل هذه البطولات والتضحيات وأن نجعل من شهادة الإمام سلام الله عليه حجة بالغة، وتوظيفها على أكمل وجه لهداية أنفسنا والآخرين.
بإمكاننا أن نستلهم هذه المعاني من خلال مراجعة سريعة لصفحات التاريخ، حيث روي: أنّ أحد أصحاب الإمام الحسين سلام الله عليه اعترضه وهو في طريقه إلى مكة أو المدينة وقال له: إلى أين يا بن رسول الله؟ إنّ بني أمية سيقتلونك. فأجاب الإمام: فبما يُمتحن هذا الخلق(15).
فدورنا أن نقتبس من نور مشعله قدر استطاعتنا لنستضيء به في طريق الهداية ونخلّص أنفسنا من الظلمات.
فمن أهمّ الدروس في سِفْرِ واقعة استشهاد الإمام أبي عبدالله هو انعتاق النفس من قيود الجهل وحلكة الضلال، وسلوك طريق الهداية، وهو بلا شكّ هدف عظيم وسامٍ إلى الدرجة التي حملت سيّد الشهداء سلام الله عليه على أن يضحّي بنفسه من أجل بلوغه. وعلاوة على البركات المستفادة من الإمام الحسين، تقع علينا مسؤوليتان كبيرتان:
المسؤولية الأولى: أن نعمل بما نعلم ونؤمن به، وأن نسعى إلى الاقتراب أكثر فأكثر من أهداف وقيم سيّد الشهداء سلام الله عليه.
لقد أراد الإمام أن ينجي العباد ـ كلّ العباد ـ من الجهل والضلال والتيه، فكلمة «عبادك»، لا تخصّ الشيعة وحدهم، بل جميع العباد.
لذلك إذا أردنا أن نتقرّب منه أكثر علينا أن نبذل كلّ ما نملك في خدمة هذه القضية.
إنّ الإمام الحسين سلام الله عليه استشهد من أجل: أصول الدين، والأحكام الشرعية، والأخلاق الإسلامية. فمن أراد أن يكون على ولائه لسيّد الشهداء وأهدافه السامية، عليه أن يسعى في الحفاظ على هذه الأهداف الثلاثة التي استشهد من أجلها الإمام وأن يضعها على رأس أولوياته، لتقرّ به عين الإمام الحسين والإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف. ولنعلم بأنّه على قدر هممنا في المضي على هذا الدرب، تكون عنايتهما ولطفهما تجاهنا.
المسؤولية الثانية: هي أن نحثّ الآخرين على أن ينهلوا من هذا المعين الصافي وتعريفهم بشخصية الإمام الحسين سلام الله عليه وأهدافه ومبادئه(16). ويجدر بنا بعد أن نتمثّل التعاليم القيّمة لسيّد الشهداء أن نعلّمها لغيرنا، أي أن نطبّقها وندعو الآخرين إلى تطبيقها.
إنّ معظم الناس ليست لهم اهتمامات بحضور مجالس الوعظ والخطابة أو المجالس الدينية ـ لأسباب عدّة ـ أو لنقل إنّ حضورهم قليل ومحدود، من هذا المنطلق يتوجّب على الذين يتردّدون باستمرار على مثل تلك المجالس ويستمعون إلى محاضرات الخطباء والوعّاظ ويستفيدون ممّا يطرح فيها من أحكام ومعارف، على هؤلاء أن يسعوا إلى إرشاد الآخرين ووعظهم وأن يرفدوهم بالعلوم والمعارف ـ ولو جزء يسير ـ التي تعلّموها من خلال مواظبتهم على حضور مجالس الإمام الحسين سلام الله عليه.
إنّ كلمة «عبادك» في عبارة «ليستنقذ عبادك» تعلّمنا أن نسعى إلى هداية جميع البشر وليس المؤمنين فحسب، وأن نأخذ بأيديهم نحو القمم العليا في الإسلام والإيمان، إلى الصراط المستقيم الذي هو صراط أهل البيت عليهم السلام.
إنّ في أعماق كلّ إنسان ـ بما في ذلك الظالم والمتعصّب والعاصي والجاهل بمختلف أنماطه ـ مساحةً للهداية وقبول الحقّ، والاستعداد للتحوّل والارتقاء، لذا فإنّ على أتباع الإمام الحسين بن علي سلام الله عليهما أن يأخذوا بيد هؤلاء ويعينوهم على الخروج من كهف الجهل وظلمته إلى نور الهداية.
لا يستهين أحدٌ منّا بقدراته أو يقلّل من قابلياته في هذا المجال، فلكلّ منّا مواهب خلاّقة وإمكانات هائلة مطمورة في ذاته، إذا ما أحسن الاستفادة منها وتوظيفها لَوَقَف على حقيقة قدراته ولمس روائع إبداعاته، ويتجلّى لنا هذا عندما نتأمّل في البيت المنسوب إلى الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه:

أتــزعـم أنـــّك جـرمٌ صغــير
و فيك انطوى العالم الأكبر(17)
فكم من الأمور التي يمكن إنجازها حتى بالقول وحده.
أحد الأشخاص الذين أعرفهم كان يحثّ الناس ويدعوهم إلى تقديم الإعانات المالية لتنفيذ مختلف أعمال الخير، وقد استطاع عن هذا الطريق بناء 80 مسجداً، وهذه مسألة مهمّة يجدر بأهل العلم أن يأخذوها في الحسبان، وهي أنّ لبعض الوسائل كالخطابة والكتابة أثراً كبيراً في جذب الناس واستنفار طاقاتهم وإمكاناتهم قد لا تتوافر في الوسائل الأخرى، لذا ينبغي أن يوجّه أهل العلم منابرهم وأقلامهم لتحقيق هذا الهدف.
وصيّة أخرى إلى الخطباء والذين يرتقون المنابر، وهي أن يختاروا أشخاصاً ممّن يجدون فيهم الأهلية والصلاح لمرافقتهم في هذه المهامّ الجهادية، لأنّ هذه الصحبة ستكون مفيدة من جهة أنّهم سيتعلّمون من سلوك الخطيب وتصرّفاته قبل أن يتعلّموا من خطبه وأقواله، ومعلوم أنّ السلوك أقوى في التأثير من الخطاب وأبلغ في التلقّي من المقال ـ وهذا أيضاً ينطبق علينا تجاه من نعتبرهم مثلنا الأعلى، فنحن نستلهم المعرفة من سيرتهم قبل أن نأخذ الدروس من أقوالهم ـ .
وعلى هذا الأساس، فإنّ هؤلاء الأفراد الذين يصحبونكم سيستفيدون من صحبتكم أكثر. بعبارة: سيقفون على تصرّفاتكم بتفاصيلها ودقائقها، وهذا يتيح لهم التعرّف على حقيقة أحوالكم وماهيّتكم ومن ثمّ يختصر عليهم طريق التصديق بأقوالكم وآرائكم.
إنّ مسؤولية هداية الناس وإنقاذهم من ظلمات الجهل والضلالة والتيه، ليست حكراً على أحد بل هي مسؤولية عامة، وهي تعتبر أحد الدروس المستلهمة من سيرة سيد الشهداء سلام الله عليه.
إنّ تحقيق هذا الهدف يتمّ عبر عدّة أساليب ووسائل، وعلى كل منّا أن يسلك الطريق المناسب للوصول إلى هذا الهدف، وألاّ يدّخر جهداً في سبيل ذلك.
تابــــــــــــــــــــــع
__________________
السلام عليك يا أبا عبدالله الحُسينْ



لعن الله امة قتلتك يا سيدي و لعن الله امة سمعت بذلك فرضيت

خالد الاسدي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-28-2010, 10:44 PM   #4
خالد الاسدي
 
الصورة الرمزية خالد الاسدي
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
الدولة: العـــــراق
العمر: 63
المشاركات: 5,480
معدل تقييم المستوى: 19
خالد الاسدي is on a distinguished road

اوسمتي

المستوى : 53 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
الحياة 130 / 1306

النشاط 1826 / 53372
المؤشر 26%

افتراضي رد: مدرسة عاشوراء الخالدة دروس وعبر

بسم الله الرحمن الرحيم

2. معاملة العدو بالحسنى


إن للمدرسة الحسينية عطاءً لا ينفد، ومكاسب لا تبلى، وهي تجسّد عظمة سيّد الشهداء عليه السلام. فالحسين إمامنا ومثلنا الأعلى، فلنرَ ماذا فعل حتى نسلك طريقه ونتبع أثره؟ وهاهنا نستعرض بعض المكاسب التي جادت بها المدرسة الحسينية على الإنسانية، علّنا ننتفع بها في حياتنا:
أحد المآثر التي قام بها الإمام الحسين سلام الله عليه هي تقديمه الماء لأصحاب الحرّ الرياحي، فمن هم يا ترى أصحاب الحرّ. إنّهم جماعة كلّفهم ابن زياد بمهمّة اقتياد الإمام الحسين إليه، وكان سلام الله عليه قد قال: «حتى لو استسلمتُ لهم، فلن يتورّعوا عن قتلي»،
نعم، إنّهم جاءوا لمحاربة الحسين وقتله في حال عدم استسلامه، لكنّ الحرّ رجع إلى نفسه وتاب في يوم عاشوراء بعد الذي بدر منه في البداية، فتاب الله عليه.
والآن لنرَ ماذا فعل أصحاب الحرّ؟ فريق منهم رمى الإمام بوابل من سهامه، وفريق آخر حاربه بالرمح والسيف، وأولئك الذين لم يكن معهم سلاح أمطروه بقطع الخشب والحجارة، كما ساهم بعضهم في قتل علي الأكبر ابن الإمام سلام الله عليه، ومنهم من رمى أبا الفضل العباس بالسهام. وكان الإمام عليه السلام يعرفهم ويعرف نواياهم، لكن مع ذلك سقاهم الماء، وهنا يمكن أن نسأل: «يا أبا عبد الله لماذا سقيتهم الماء؟». الجواب هو أنّ الله تعالى يريد من الإنسان أن يخدم أخاه الإنسان صالحاً كان أم طالحاً، وهنا أيضاً لا ينبغي أن يقال: لو لم يسقهم لما دخل بعضهم النار معللاً الأمر بأنهم كانوا سيموتون من العطش، وبالتالي لم يكونوا ليشاركوا في محاربته سلام الله عليه، لأنّ الله يريد من الإنسان أن يخدم نظيره الإنسان بغضّ النظر عن كونه كافراً أو مسلماً، عادلاً أو فاسقاً، ولكن بشرط أن لا تكون تلك المساعدة علامة على تأييد مسلكهم الخاطئ.
لنحاول تعلّم هذه الدروس من الإمام عليه السلام وأن نستعمل ألسنتنا ومواقفنا في فعل الخير دائماً ومع الجميع دون استثناء، فإذا كان باستطاعتنا التفريج عن كربة مكروب لا نتردد في ذلك، وإذا كان بإمكان المرء أن يساعد بماله أو لسانه أو التوسّط للمساعدة لصالح من يعرفه أو حتى من لا يعرفه، فليفعل.
لاشكّ في أنّ قتلة الإمام الحسين كانوا شرّ خلق الله، لكن مع ذلك نرى الإمام سلام الله عليه نفسه في ذلك اليوم يترجّل عن فرسه ليسقي من ماء قربته أحد أفراد العدوّ الذي زالت قواه من شدّة العطش ولم يقوَ على النهوض، يقول بعض الرواة بأنّ ذلك الشخص كان أحد الذين شاركوا في قتل الإمام الحسين يوم عاشوراء، والإمام نفسه كان يعلم بهذا، ومع ذلك سقاه الماء.
كان بإمكان الإمام الحسين سلام الله عليه عند لقائه الحرّ وجيشه المنهك العطشان أن يبيدهم عن بكرة أبيهم بإشارة واحدة ـ كما قلناـ خصوصاً أنّه كان أكثر منهم استعداداً وتأهّباً وجاهزيّة للقتال، وكان محتاطاً لكل شيء، وفي المقابل كان أفراد جيش العدو خائرين وعطاشى، ولم يكونوا يقوون على القتال، ولو قُدّر لهم أن يشتبكوا لما نجا منهم أحد البتّة، لقد كان أولئك في قبضة الإمام سلام الله عليه وما كان عليه إلاّ أن يشدّ قبضته حتى يعصرهم في سويعات قليلة فيقضي عليهم أو يأسرهم في معركة سهلة، لكن ليست هذه من شيم الإمام سلام الله عليه ونبل أخلاقه، فقد عاملهم بالحسنى وقدّم لهم ولخيولهم الماء ليرتووا.
لقد وقف الحرّ في طريق الإمام الحسين سلام الله عليه ولم يسمح له بالتقدّم معلّلاً ذلك بأنّه مأمور بالتصدّي لجيش أبي عبد الله ومنعه من التقدّم، وعلى الرغم من أنّ الحرّ لم يتعرّض للإمام سلام الله عليه بسوء لأصالة معدنه ونقاء ذاته، إلا أنّه على أيّ حال كان يُحسَب على الأعداء، وكان بمقدور الإمام منع الماء عنه وعن جيشه ليهلكوا جميعاً من العطش، لأنّه كان في حالة دفاع عن النفس، لكنّه أبى أن يلجأ لمثل هذه الأساليب ومعاملتهم بنفس منطقهم، وأن يبيح لنفسه إهلاكهم بالعطش. فسيرة أئمّتنا سلام الله عليهم سيرة الهداية وإنقاذ الناس.
لقد ضرب الإمام سلام الله عليه مثلاً رائعاً في اللطف والعطف حتى مع أعدائه وكان يأمل أن يهدي به الله ولو فرداً واحداً من جيش العدو وينقذه من شفير الهاوية وعذاب الآخرة.
تنطوي هذه الأحداث والوقائع المروّعة والمعبّرة في آن معاً على دروس جمّة وعميقة الغور وهي تعتبر بحقّ مصنع الإنسان، وإنّ الوقوف عند تفاصيلها مدعاة للوعي والتنوير.
علينا أن نعمل جاهدين لكي نعرّف العالم على هذه السيرة المفعمة بمعاني الإنسانية، وأن نثبت لهم بأنّ الإسلام يختزن في كل لبنة من لبنات صرحه الشامخ مبادئ الرحمة والمروءة والواقعية والإنسانية بكلّ ما في هذه الكلمات من معانٍ ومفهوم وفي أرقى مستوياتها، ومتى ما استطعنا إيصال تلك التعاليم المضيئة إلى أسماع العالم فإنّنا قد أنزلنا هدف الإمام الحسين سلام الله عليه «ليستنقذ عبادك» إلى أرض الواقع والتطبيق.
والجدير بالملاحظة أنّ الجهل بهذه التعاليم النورانية لا يقتصر على غير المسلمين في العالم بل أنّ الكثير من المسلمين لا يزالون يجهلون الجزء الأكبر من حقائقها. وهذه التعاليم تتطلّب الشرح والتفسير وتنطوي على دقائق وأسرار كثيرة ينبغي لنا أن نعرضها على الناس كما هي.
في رواية صحيحة عن الإمام علي بن موسى الرضا سلام الله عليه أنّه قال لأبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي ـ وهو من الثقات ـ : «رحم الله عبداً أحيا أمرنا، فقال أبو الصلت: وكيف ذلك؟ فقال الإمام:
يتعلّم علومنا ويعلّمها للناس، فإنّ الناس لو عَلموا محاسن كلامنا لاتّبعونا»(18).
إنّ درجات العلماء ومراتبهم عند الله سبحانه وتعالى وأهل البيت سلام الله عليهم يوم القيامة تعتمد على مقدار علمهم وجدّهم واجتهادهم في هداية عباد الله وإرشادهم.
حينما نقول مثلاً إنّ فلاناً جادّ في عمله نعني أنّه يسعى في كسب رزقه في كلّ الأحوال والظروف صيفاً وشتاءً، ولا يؤثّر عليه شيء آخر، وكذلك هو الحال مع من يريد أن يتشرّف بزيارة بيت الله الحرام فلن يتوانى عن طرق جميع الأبواب وتهيئة مستلزمات هذا الأمر العظيم حتى يوفّق في تحقيقه. وهكذا بالنسبة للعالم المجدّ الذي يسعى في هداية خلق الله فهو لا يترك صغيرة أو كبيرة إلا ولجأ إليها لكي يفوز بهدفه وهو عبودية الناس لله وهدايتهم وما من شك أنّ الله يسدّد خطاه في مسعاه.
إذا عقد أهل العلم العزم على هداية الناس وأظهروا الجدّية في إيصال رسالة أهل البيت سلام الله عليهم، عند ذاك نستطيع القول أنّهم قد ارتقوا إلى مستوى المسؤولية وأدّوا ما عليهم، والحقّ أنّ الإمام الحسين سيّد الشهداء لم يجر تعريفه للناس كما يجب وكما هو حقّه باعتباره إمام الحقّ في الدنيا والآخرة وإمام الإنس والجنّ، ولا شكّ أنّها مهمّتنا جميعاً وبالأخصّ أهل العلم أن نقدّم سيرة الإمام إلى العالم وأن نجسّد مقولة الإمام المعصوم الخالدة المتمثّلة في عبارة «ليستنقذ عبادك» على الواقع.
نأمل أن نستوعب جميعاً دروس المدرسة الحسينية في الهداية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والثقة بالله تعالى وإظهار المحبّة مع الصديق والعدوّ... وغير ذلك من الدروس القيّمة، وأن نعلّمها للناس، ونجعلها مهمّتنا جميعاً بلا استثناء، إن شاء الله.
تابـــــــــــــــــــــــــــــــع

__________________
السلام عليك يا أبا عبدالله الحُسينْ



لعن الله امة قتلتك يا سيدي و لعن الله امة سمعت بذلك فرضيت

خالد الاسدي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-28-2010, 10:48 PM   #5
خالد الاسدي
 
الصورة الرمزية خالد الاسدي
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
الدولة: العـــــراق
العمر: 63
المشاركات: 5,480
معدل تقييم المستوى: 19
خالد الاسدي is on a distinguished road

اوسمتي

المستوى : 53 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
الحياة 130 / 1306

النشاط 1826 / 53372
المؤشر 26%

افتراضي رد: مدرسة عاشوراء الخالدة دروس وعبر

بسم الله الرحمن الرحيم



3. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

بعد التدبّر بمقولة الإمام الخالدة: «أريد أن آمر بالمعروف»(19)، يتّضح أنّ من جملة الدوافع الحقيقية لقيامه عليه السلام هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والذي فيه دلالة على أهميّة هاتين المسؤوليتين.
حينما يسعى الانسان في الأمر بالمعروف، فيجب أولاً أن يهيّئ المستلزمات العقلية والشرعية التي يتطلّبها هذا الأمر، وأن يعمل على تعبئة جهوده واستنفار طاقاته لهذا الغرض. صحيح أنّ هذه المسألة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) واجب كفائيّ، أي بقيام أحد المكلّفين بها يسقط تكليفها عن الباقين، ولكن المشكلة تكمن في إحراز الفرد، قيامَ أحدٍ بالأمر، ليسقط تكليفه عن الباقين، ممّا تحتّم علينا وكلّ من موقعه التصدّي لهذا الأمر، وذلك لأنّ الجهل بأحكام الإسلام في الواجبات والمحرّمات ضارب بأطنابه في أوساط المسلمين.
وكما أنّ القرآن الكريم يتحدّث صراحة عن شكوى النبي صلى الله عليه وآله من هجر المشركين لكتاب الله حيث تقول الآية:
(وقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إنَّ قَوْمي اتَّخَذُوا هَذَا القُرْآنَ مَهْجُوراً)(20).
كذلك كان الأمر من كثير من المسلمين بعد إعراضهم عن كتاب الله تعالى وتركهم امتثال جميع أوامره ونواهيه، خصوصاً بعد رحيل النبي صلى الله عليه وآله إلى الرفيق الأعلى.
فالعمل بالقرآن الكريم وعدم هجره لا يقتصر على إقامة الصلاة وأداء الصوم ومناسك الحجّ وشعائره، بل إنّ لعدم هجر القرآن وأداء حقّه على الوجه الأكمل والتزام حدوده معنى أوسع وأشمل ممّا نتصوّر. هناك طيف عريض من الناس ليس لهم إلمام بالأحكام المعروفة الواردة في كتب الفقهاء. من هنا تأتي ضرورة مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ طبعاً بشروطها ـ وتعليم الناس أحكام الإسلام، وإذا كان الإمام الحسين سلام الله عليه قد ضحّى بنفسه الزكية من أجل تثبيت دعائم الإسلام وتطبيق أحكامه، فإنّ أقل واجب يقع على عاتقنا هو ألاّ نبخل بتعليم الناس أحكام الإسلام، فلو جرى إطلاعهم على مسائل الشريعة لتحصّنوا ـ ولو بمقدار ـ ممّا يعرض لهم في حياتهم. فالسبيل الأمثل لتحقيق هذا الأمر هو تلبية نداء النصرة الذي أطلقه الإمام سيّد الشهداء سلام الله عليه وانتشال الناس من أوحال الحيرة وظلمات الجهالة إلى نور الهداية.
أنقل لكم حادثة سمعتها قبل أكثر من ثلاثين أو أربعين عاماً من أحد رجال الدين، قال إنه عزم على السفر إلى الهند في رحلة تبليغية، وقد ذهب إلى قرية هناك كان يعرفها بالاسم، ولكن لم يكن لديه اطّلاع واضح عنها ولا عن أهلها، وسُرَّ أهل القرية كثيراً لمقدم رجل الدين وإلقائه الخطب فيهم، وفي أحد الأيام أقامت إحدى حسينيات تلك القرية مراسيم عزاء سيّد الشهداء سلام الله عليه، وقد أُلبست بالسواد، وفي أثناء دخول وقت الصلاة انتبه رجل الدين إلى عدم رفع الأذان في الحسينية وعندما سئل عن السبب، صُدِم عندما عرف أنّ أهل القرية لا يعرفون الأذان ولا حتى الصلاة، بل إنّ الإسلام لمّا يدخل قلوبهم بعد، فهم لا يزالون على كفرهم السابق، عند ذاك ارتقى المنبر وخطب في الناس قائلاً: أيّها الناس، قد جاءكم الإمام الحسين سلام الله عليه بعدما عرفتموه بقيامه الذي أنار ظُلَم القلوب، وإنّ لهذا الإمام جدّاً عظيماً ووالداً كريماً وأمّاً طاهرة وأخاً مجتبى يكنّ لهم الإمام حبّاً واحتراماً فائقين، فإن لم يكن هؤلاء قد جاءوا إلى قريتكم بعد، فها هو الإمام الحسين وهو خامسهم قد شرّف دياركم بقدومه، فحريّ بكم أن تستقدموا بقية الأسرة الطاهرة الكريمة لتتشرّفوا بهم وتنهلوا عنهم ما حملوا عن ذلك الجدّ العظيم رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله من ختم رسالات السماء... إلى آخر ما أبان لهم في خطبته المضيئة عن الإسلام والنبيّ وأئمة الهدى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وأضاف قائلاً: لقد أطلعتهم على أصول الدين وفروعه من الألف إلى الياء، ممّا كان له أثر كبير عليهم، حيث اعتنق جميعهم أو معظمهم الإسلام.
في الحقيقة، إنّ قلوب هؤلاء كانت بمثابة صفحات بيضاء لم يُكتب فيها شيء، وحين أضاء نور الإسلام قلوبهم أسلموا له، ولا عجب في هذا، فما تزال الدنيا ـ برغم ظلماتها وضبابها ـ تحتوي على صفحات بيضاء ناصعة مهيّئة لأن تمتلئ بأحرف من نور سيّد الشهداء إذا ما أشرق عليها. وإذا ما حملنا المسؤولية المتمثّلة في هداية الناس وأطلعنا العالم على النهج الحقّ لسيّد الشهداء سلام الله عليه، فستهوي أفئدتهم إليه لا محالة وسينضوون تحت لوائه.
ومن الضروري أيضاً تعرية النهج التعسّفي لبني العباس وبني أمية وإطلاع الناس على الحقيقة المخزية للظلمة أمثال معاوية ويزيد وهارون والمأمون والمتوكل الذين كانوا يقتلون الناس لموالاتهم أهل بيت الرسالة ومعدن العلم آل محمد صلى الله عليه وآله، وعلى الشبهة والظنّة. كذلك وفي الوقت نفسه ينبغي أن ننقل الصورة المشرقة لسيرة الإمام الحسين سلام الله عليه ونهجه مع عدوّه الذي كان في قبضته والذي كان بإمكانه القضاء عليه بإشارة واحدة لكنّه أبى إلاّ أن يُحسن معاملته وأن يسقيه وخيله من الماء. فإذا أحسنّا القيام بواجبنا في تقديم الصورة الناصعة لأهل البيت عليهم السلام إلى بقية الأمم واطّلع الناس عليها، فإنّهم سيعتقدون بهم وبنهجهم، وسيزدادون بعداً عن الظلمة والمستبدّين ومن إليهم.


4. الثقة بالله


على كل فرد منّا أن يمضي في طريق الأهداف التي بذل الإمام الحسين مهجته في سبيل تحقيقها، وأن ننتخي جميعاً لتلبية النداء الذي أطلقه. لقد قال سلام الله عليه في يوم عاشوراء:
«اللهمّ أنت ثقتـي في كلّ كرب»(21).
وللفظة «ثقة» هنا مفهوم عميق، ولربّما نستطيع أن نبيّن معنى قول الإمام هذا في ضوء المعنى العميق الذي تكتنزه لفظة (ثقة) على النحو التالي: «اللهمّ أنت سندي واطمئناني وإيماني واعتمادي».
و«للكرب» أيضاً معنى دقيق وقد اختير من بين المفردات التي تعني الانكماش والاضطراب والحزن. وفي تقديم الضمير هنا دلالة خاصة تتمثّل في الحصر والتخصيص، فيكون المعنى الإجمالي للعبارة: إلهي أنت وحدك مدعاة سكوني واطمئناني عند عظيم الكربة وفرط الغمّ، وأنت من يهدّئ خاطري ويسكّن روعتي.
و الحقّ أنّ فصحاء العرب لم يشهدوا من قبل مثل هذا البيان والترتيب الباهر للألفاظ لتفيد هذه المعاني الراقية والغايات السامية.
إنّها مسألة في غاية الأهمية أن يثق الإنسان بالله ويعتمده، وهي في ذات الوقت صعبة المنال لكنّها ليست بالمستحيلة فهي ممكنة بالجدّ والاجتهاد. فلو وثق الإنسان بربّه، سيبلغ لا محالة مرحلة التكامل ويحلّق في رحبة الآفاق الروحية.
في أغلب الأحيان عندما نعمل عملاً صالحاً تتوق أنفسنا إلى أن يطّلع عليه الآخرون، حتى لو تعاملنا بدهاء لكي نخفي ما جُبلت عليه أنفسنا وحاولنا أن نغطّي على عُجْبها وزهوها، وتظاهرنا بعدم اهتمامنا بهذا الأمر، ستبقى في أعماقنا بقايا رغبة تدفعنا إلى إطلاع الآخرين على إنجازاتنا ونقول في أنفسنا ليت فلان حاضراً ليشهد ما أصنع. فإذا ما وضع الإنسان ثقته بالله وكان موئل اعتماده، كبرت روحه، واتّسع أفقه، وعند ذاك سيطرح عنه هذه الصغائر النفسيّة.
لقد أطلق الإمام الحسين سلام الله عليه، نداءه هذا في لحظات عصيبة افتدى فيها بكلّ ما يملك في الظاهر من هذه الدنيا من إخوة ومال وبنين، وكلّ شيء، وكان هو نفسه مثخناً بالجراح وملقى على الرمال الحارقة في أرض كربلاء التي عفّرت جسده الطاهر وهو ينزف دماً زكياً، في تلك البرهة التي سقط إخوته وأبناؤه وجميع أصحابه الأوفياء مضرّجين بالدماء، ولم يتبقّ إلاّ أهل بيته وعياله الذين كانوا يتابعون المشهد المأساويّ بصبر وألم، في هذا الخضمّ الهائج من البلايا وأمواج المصائب العاتية يتوجّه الإمام سلام الله عليه إلى الله ليؤكّد ثقته به: «اللهمّ أنت ثقتـي في كلّ كرب»، إنّها حقّاً تُبرز أنّه صلوات الله عليه كان ممسوساً في ذات الله تعالى حين يطلق هذا القول وسط غبار المعركة المتصاعد واشتداد أوارها، وهو ما دعا أحد الرواة الشهود على واقعة كربلاء لأن يصف رباطة جأشه وقوّة عزمه سلام الله عليه بما يلي:
«... فو الله ما رأيت مكثوراً قطّ قد قُتل ولده وأهل بيته وصحبه أربط جأشاً منه ...»(22).
ثمّة أناس لم يستوعبوا جيّداً معنى التوكّل، حيث يتصوّرون أنّ التوكّل يعني تركهم للأفعال الواجبة واليومية المتداولة، ويعتقد هؤلاء بتعارض فكرة التوكّل مع الأخذ بالأسباب الدنيوية الطبيعية وأنّ أمور المتوكّلين الدنيوية والمعاشية تتأتّى عن طرق غيبية غير متداولة، وليس عليهم أن يبذلوا الجهد لتهيئة أسباب معيشتهم وتحسين أساليب حياتهم. لكن التعاليم الإسلامية تفنّد هذا التصور. إنّ عبارة «اللهمّ أنت ثقتـي في كل كرب» لا تعني بأيّ حال من الأحوال أن يقفز الإنسان على قوانين الدنيا ويترك الجدّ والاجتهاد ، جاء في القرآن الكريم : (وأن ليس للإنسان إلاّ ما سعى)(23)، فالتوكّل يعني أنّه في الوقت الذي يبذل الإنسان جهده ويأخذ بأسباب الدنيا المتاحة، عليه أن يضع ثقته في التقدير الإلهي ويعتمد على الله سبحانه وتعالى اعتماداً مطلقاً، ويرضى بما قسم له.
من المعلوم أنّ سيّد الشهداء قد أعدّ ليوم عاشوراء كل الأسباب والمستلزمات الضرورية بالتوكّل على الله، ويُروى في هذا الشأن أنّ قافلته كانت تحتوي بالإضافة إلى الأبقار والأغنام، 250 من الإبل، كما ورد في بعض النصوص التاريخية أنّ سيّد الشهداء سلام الله عليه قد حطّ رحاله على أرض كربلاء بمعيّة ألف وخمسمئة شخص(24)، ومعلوم أنّ تهيئة الطعام والماء لهذا العدد من الأشخاص بالإضافة إلى 250 من الإبل ومعها الأبقار والأغنام ليس بالأمر السهل.
قبل أن يلتقي الإمام الحسين سلام الله عليه بالحرّ الرياحي وصل إلى مكان فيه ماء فأمر أصحابه أن يستقوا من الماء، وفي المقابل كان الحرّ يقف مع جنده الذين بلغوا زهاء الألف وقد غرز العطش مخالبه فيهم وفي خيولهم، حول هذه الواقعة، يروي لنا التاريخ: «فقال الحسين لفتيانه: اسقوا القوم وارووهم ورشّفوا الخيل ترشيفاً»(25).
علاوة على شدّة حرارة الجوّ، كان يجب إرواء الخيل والإبل التي تشرب عشرة أضعاف كمية الماء التي يشربها الإنسان، من هنا يتّضح لنا بأنّ الإمام سلام الله عليه كان يحمل معه كمية كبيرة من المياه استطاع أن يسقي بها 1500 من المقاتلين وسائر أفراد القافلة و250 من الإبل، بالإضافة إلى سقاية 1000 مقاتل من جيش الحرّ مع خيولهم، ما يعني أنّ الإمام سلام الله عليه قد أعدّ لمحاربة العدو كل مستلزمات القتال من عدّة وعدد، واحتاط للأمر بما يتناسب مع حجمه وأهميّته.
يتبيّن ممّا قيل، أنّ عبارة «اللهمّ أنت ثقتـي في كلّ كرب» لا تعني بأيّ حال من الأحوال أن يترك الإنسان العمل والمثابرة ويركن إلى الكسل، بل أن يعدّ لكل شيء في هذه الدنيا عدّته ويهيّئ أسبابه، وأن يسعى في حلّ المسائل بالطرق المشروعة، دون أن يستغني عن التوكّل على الله وأن ينيب إليه في جميع أموره وأن يلجأ إليه وحده دون غيره.
نستخلص مما تقدّم أنّ لكلّ من التوكّل والعمل مكانته وأهميّته الخاصّة به، وهما ينسجمان مع بعضهما ويكمّل بعضهما الآخر.

تابــــــــــــــــــــــــع
__________________
السلام عليك يا أبا عبدالله الحُسينْ



لعن الله امة قتلتك يا سيدي و لعن الله امة سمعت بذلك فرضيت

خالد الاسدي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-28-2010, 10:51 PM   #6
خالد الاسدي
 
الصورة الرمزية خالد الاسدي
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
الدولة: العـــــراق
العمر: 63
المشاركات: 5,480
معدل تقييم المستوى: 19
خالد الاسدي is on a distinguished road

اوسمتي

المستوى : 53 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
الحياة 130 / 1306

النشاط 1826 / 53372
المؤشر 26%

افتراضي رد: مدرسة عاشوراء الخالدة دروس وعبر

بسم الله الرحمن الرحيم



ذكر الحسين ذخر ليوم الحساب

روي عن الإمام الصادق سلام الله عليه:
« إن الذي يلي حساب الناس قبل يوم القيامة الحسين بن علي (عليهما السلام) ، فأما يوم القيامة فإنما هو بعث إلى الجنة و بعث إلى النار »(26).
كلنا سنرحل عن هذه الدنيا وسنحاسَب على أعمالنا في ثلاث محطّات ـ أعاننا الله عليها ـ حيث نُقل في بعض الروايات أنّه عند الموت، يؤتى بروح الإنسان لتُسأل، وحسب الرواية فإنّ الجسد لا يرفع من مكانه ما لم يتمّ الانتهاء من الحساب. وهناك حساب ثانٍ قبيل يوم القيامة، وثالث في يوم القيامة. وتصرّح الرواية المذكورة بأنّ حساب البرزخ للمؤمن والكافر فرادى وجماعات هو من اختصاص الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه فقط.
إذاً كلّنا سنواجه الإمام سلام الله عليه وسنكون مسؤولين أمامه، وقد خصّه الله جلّ وعلا بخصوصية لم يخصّ جدّه أو أباه أو أمّه أو أخاه بها ـ مع أنّهم جميعاً يفوقونه في المنزلة ـ هذه الخصوصية هي في حسابه للخلق قبل يوم القيامة.
إذاً علينا أن نتزوّد ليوم الحساب مادامت الفرصة سانحة، حيث يقول الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه:
«فإنّكم لو قد عاينتم ما قد عاين من مات منكم لجزعتم ووهلتم»(27).
وفي رواية أخرى له: «فإنّ اليوم عمل ولا حساب، وإنّ غداً حساب ولا عمل»(28).
لا يستطيع الإنسان يومئذ إضافة حسنة واحدة لصحيفة أعماله ولا محو سيّئة واحدة منها.
لهذا، وبسبب انقطاع الإنسان عن العمل في الدار الآخرة ـ من ذكرٍ ينفعه أو حسنة تضاف له ـ تراه يتحسّر على كلّ لحظة من لحظات حياته، لم يستزد من عملٍ صالح أو يقلع من ذنبٍ، وما إلى ذلك.

عاشوراء والأحكام الاستثنائية


لقد خصّ الله سبحانه وتعالى الإمام الحسين بامتيازات دون غيره، فمثلاً: ورد في روايات عدّة ما يشير الى: كراهة الصلاة بلباس أسود، لأنّ السواد يقلّل من ثوابها، كما يكره الطواف بلباس أسود، ويكره أيضاً الجزع على الميّت وهو غير الحزن والبكاء، فالجزع يعني العويل على الميّت، أو الضرب على الرأس واللطم على الوجه، لكنّ الجزع ولبس السواد على الإمام الحسين سلام الله عليه ليس غير مكروه فحسب، بل كما قال بعض العلماء هو مستحبّ أيضاً. فالامتيازات التي خصّ الله تعالى بها الإمام الحسين لم يشرك معه غيره من المعصومين سلام الله عليهم بها، وبعض الأمور التي تكره في مواضع أخرى قد تكون غير مكروهة إذا كانت في سبيل الإمام الحسين سلام الله عليه بل تُعدّ فضلاً وثواباً.
روى الشيخ في المصباح، عن عبد الله بن سنان قال: دخلت على سيدي أبي عبد الله جعفر بن محمد في يوم عاشوراء فألفيته كاسف اللون ظاهر الحزن ودموعه تنحدر من عينيه كاللؤلؤ المتساقط. فقلت: يا ابن رسول الله ممّ بكاؤك، لا أبكى الله عينيك؟ فقال لي:
أوَ في غفلة أنت؟ أما علمت أنّ الحسين بن علي أصيب في مثل هذا اليوم؟
قلت: يا سيدي فما قولك في صومه؟ فقال لي:
صمه من غير تبييت وأفطره من غير تشميت، ولا تجعله يوم صوم كملاً وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء فإنّه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلّت الهيجاء عن آل رسول الله وانكشفت الملحمة عنهم وفي الأرض منهم ثلاثون صريعاً في مواليهم يعزّ على رسول الله مصرعهم ولو كان في الدنيا يومئذ حيّاً لكان صلوات الله عليه وآله هو المعزَّى بهم.
قال: وبكى أبو عبد الله سلام الله عليه حتى أخضلت لحيته بدموعه ثم قال:
«إن الله عزّ وجلّ لما خلق النور خلقه يوم الجمعة في تقديره في أوّل يوم من شهر رمضان وخلق الظلمة في يوم الأربعاء يوم عاشوراء في مثل ذلك اليوم يعنـي العاشر من شهر المحرم في تقديره وجعل لكلّ منهما شِرْعَةً ومِنْهاجاً...»(29).
فالله تعالى قد أكرم الإمام الحسين سلام الله عليه بقائمة طويلة من الامتيازات. وعلى هذا الأساس، فأولئك الذين يتحمّلون قسطاً أكبر من الشدائد والصعاب في سبيله، الذي هو سبيل الله تعالى، سيغبطهم غيرهم ويتحسّر عليهم.
إنّ مثل الآخرة كمثل أسواق الدنيا، من يعمل ويكدّ أكثر، يكون ربحه في نهاية الموسم أكبر، ومن كان عمله أقلّ كان ربحه بطبيعة الحال أقلّ من غيره، مع فارق واحد وهو أنّ كلّ ما يجمعه الإنسان في سوق الدنيا ـ قلّ أو كثر ـ هو متاع قليل، بينما الخدمة لسيّد الشهداء سلام الله عليه هي الثروة الأكثر التي يستطيع الإنسان أن يأخذها معه لآخرته.
يقول الإمام الحسين سلام الله عليه مخاطباً أصحابه:
«الدُّنْيا حُلْوُها وَمُرُّها حُلم»(30).
أحياناً يرى الإنسان أحلاماً سعيدة، لكن ما أن ينتبه من نومه حتى يتحسّر على كونها مجرّد أحلام، وبالعكس حينما يرى كابوساً، يفرح حين يرى أنّه كان حلماً لا حقيقة، وبالنسبة لنا عندما ننتقل إلى الآخرة سنرى بأنّ الدنيا لم تكن إلاّ حلماً وانتهى، لكنّ الخدمات التي نقدّمها في طريق محبّة الإمام الحسين سلام الله عليه، تبقى، وكلّما كانت هذه الخدمات أكثر وأكبر كانت فرحتنا أعظم.

جزاء قتلة سيّد الشهداء


نقل صاحب كتاب كامل الزيارات (وهو من المصادر المعتبرة والقيّمة لدى الشيعة) خبراً مفاده أنّ كلّ من شارك في قتل الإمام سيّدالشهداء سلام الله عليه ابتلي بأحد الأمراض الثلاثة: الجنون والجذام والبرص(31).
يفيد الخبر أيضاً: أنّ هذه الأمراض قد انتقلت إلى ذريّاتهم من بعدهم، على الرغم من أنّهم لم يكونوا في عصر ارتكاب الجريمة، إلا أنّ ذلك من عواقب فعل آبائهم في قتل الإمام الحسين سلام الله عليه. وهذه مسألة تكوينية.
كما نقرأ في (كامل الزيارات) أيضاً: أنّ قتلة الإمام الحسين قد قُتلوا جميعاً، ولم يمت أيّ منهم ميتة طبيعية. في هذا السياق يقول الإمام الباقر سلام الله عليه:
«والله لقد قُتل قتلة الحسين ولم يُطلب بدمه بعد»(32).
والله تعالى لم يرض بعد، لأنّ للإمام الحسين مكانة في الملأ الأعلى، عظيمةٌ جداً.
نسأل الله تعالى أن يوفّقا جميعاً لخدمة شعائر الإمام الحسين.
وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين
(1) «طويريج» ناحية من توابع كربلاء، تنطلق منها في يوم عاشوراء كلّ عام وفود المعزّين نحو الحرم الحسيني حفاة لاطمي الصدور والرؤوس ومردّدين هتافات: حسين، حسين، وأبد والله ما ننسى حسينا.
(2) السيد محمد مهدي بن مرتضى بحر العلوم (1155- 1212هـ) من مشاهير العلماء الذين عُرفوا بالزهد والورع، وأحد تلامذة الشيخ وحيد البهبهاني قدس سره، انتقل إلى جوار ربّه وهو في الخامسة والسبعين من عمره، ودفن بجوار مرقد الشيخ الطوسي في النجف الأشرف. (الكنى والألقاب، ج2، ص 67).
(3) بحار الأنوار، ج 45، الباب 37، ص 63، الحديث 3 .
(4) الكافي: ج3، ص262، ح45، باب النوادر.
(5) بحار الأنوار، ج 45، الباب 39، ص 179، ح 30.
(6) العوالم، الإمام الحسين سلام الله عليه للبحراني، ص362.
(7) أحد أقرب أصحاب الإمام الصادق سلام الله عليه الذي نقل عنه روايات كثيرة.
(8) كامل‏الزيارات، ص 125، الباب 45 ثواب من زار الإمام الحسين عليه السلام.
(9) بحار الأنوار، ج44، ص278، ح4، الباب34؛ الأمالي للمفيد، ص338، ح3، المجلس40؛ الأمالي للطوسي، ص115، ح178، المجلس4.
(10) الرؤيا ليست دليلاً ولكن عُبِّر عنها أحياناً في الروايات بالمبشّرات، الكافي، ج 1 / الروضة، ص 90، ح 59، صحيحة معمر بن خلاد.
(11) في ذلك الوقت كان الشيخان لا يزالان على قيد الحياة، كان الشيخ الأنصاري في النجف الأشرف، والشيخ الدربندي في كربلاء المقدسة. وبالإضافة إلى كون هذا الأخير مرجعاً دينياً، كان خطيباً يعتلي المنابر الحسينية وكان له منبر خاص في كلّ عام، حيث نُقل لي بعض من قصصه تلك بواسطتين عمّن حضر مجلسه، وكانت مجالسه تقام في الصحن الشريف في ظهيرة يوم عاشوراء من كلّ عام بعد انتهاء المجالس الأخرى حيث كانت تعجّ بجماهير غفيرة، وأحياناً كان يتحدّث قبل ساعة من موعده، ويقول أحياناً: «لا أريد أن أقيم مجلس ندب ونواح فقد سمعتم منها ما يكفي طيلة الليل وحتى الظهيرة، لكنّني أريد أن أوجّه بضع كلمات باسمكم إلى الإمام الحسين سلام الله عليه...» وكان مجلساً مميّزاً حقّاً. كما دوّن المرحوم الدربندي كتاباً مسهباً عن الإمام الحسين سلام الله عليه يحمل عنوان «إكسير العبادات».
(12) بحار الأنوار، ج 47، الباب 33، ص 349، ح 50 .
(13) تهذيب الأحكام، ح 6، ص 113، ح 17 .
(14) كفاية الأثر، ص 227.
(15) اللهوف، ص 67.
(16) من الطبيعي أن لا يوجد تسلسل زمني بين هاتين المسؤوليتين ـ و هما من المسائل الملزمة في الأحكام ـ بمعنى أنّه لا يشترط الانتهاء من المسؤولية الأولى للشروع في تنفيذ المسؤولية الثانية، بل يُمكن تنفيذهما معاً، كما أنّ تنفيذ أيّ منهما لا يغنينا عن تنفيذ الثانية.
(17) مجمع البحرين، ج 1، ص 122، مادة : انسان.
(18) عيون أخبار الرضا سلام الله عليه، ج 1، ص 307.
(19) بحار الأنوار، ج 44، ص 329.
(20) سورة الفرقان، الآية 30.
(21) الإرشاد، ج 2، ص 96.
(22) بحار الأنوار، ج 45، ص 50.
(23) سورة النجم، الآية: 39.
(24) الشيخ المفيد، الإرشاد، ج 2، ص 78 ؛ بحار الأنوار، ج 44، ص 376
(25) بحار الأنوار، ج 44، ص 376.
(26) بحار الأنوار، ج 53، باب الرجعة، ص 43، ح 13.
(27) نهج البلاغة، ص 62، الخطبة 20 .
(28) أصول الكافي، ج 8، ص 58.
(29) بحار الأنوار: 45 / 36 سائر ما جرى عليه سلام الله عليه، ح3 ـ باب 37.
(30) بحار الأنوار، ج 45، الباب 37، ص 90، ح 29.
(31) راجع: كامل الزيارات، ص62، الباب 17، ح8.
(32) كامل الزيارات، ص63، الباب 88، ح2

نـــــــسألكم الـــــــــدعاء خالد الاسدي
__________________
السلام عليك يا أبا عبدالله الحُسينْ



لعن الله امة قتلتك يا سيدي و لعن الله امة سمعت بذلك فرضيت

خالد الاسدي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-29-2010, 08:59 PM   #7
حسينية الهوى
 
الصورة الرمزية حسينية الهوى
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
الدولة: عراق الخير
المشاركات: 1,377
معدل تقييم المستوى: 10
حسينية الهوى is on a distinguished road

اوسمتي

المستوى : 31 [♥ Bأ©-Yأھu ♥]
الحياة 0 / 773

النشاط 459 / 30722
المؤشر 92%

افتراضي رد: مدرسة عاشوراء الخالدة دروس وعبر

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد

بحث قيم ورائع

سلم ذوقك الرفيع في انتقاء المواضيع الجيدة

__________________
حسينية الهوى غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-30-2010, 09:49 PM   #8
خالد الاسدي
 
الصورة الرمزية خالد الاسدي
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
الدولة: العـــــراق
العمر: 63
المشاركات: 5,480
معدل تقييم المستوى: 19
خالد الاسدي is on a distinguished road

اوسمتي

المستوى : 53 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
الحياة 130 / 1306

النشاط 1826 / 53372
المؤشر 26%

افتراضي رد: مدرسة عاشوراء الخالدة دروس وعبر

بسم الله الرحمن الرحيم
شكراً على مرورك أختي الفاضله حسينية الهوى

الله ثبتنا واياكم على طريق الحق والصواب وانارقلوبنا بنور الولاية
وفقكم الله لمرضاته وتقبل طاعاتكم وغفر لكم
__________________
السلام عليك يا أبا عبدالله الحُسينْ



لعن الله امة قتلتك يا سيدي و لعن الله امة سمعت بذلك فرضيت

خالد الاسدي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-03-2011, 06:58 PM   #9
منال العرب
 
الصورة الرمزية منال العرب
 
تاريخ التسجيل: Jan 2011
المشاركات: 1,968
معدل تقييم المستوى: 15
منال العرب is on a distinguished road

اوسمتي

المستوى : 36 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
الحياة 0 / 893

النشاط 656 / 34557
المؤشر 74%

افتراضي رد: مدرسة عاشوراء الخالدة دروس وعبر

بسم الله الرحمن الرحيم
يسلموو على الدروس و العبر
تحياتي
منال العرب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-03-2011, 07:10 PM   #10
قدوتي زينب
مشرفة منتديات الشعر الشعبي وبوح الخواطر والقصص والروايات
 
الصورة الرمزية قدوتي زينب
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
الدولة: في قلب سيدتي
المشاركات: 636
معدل تقييم المستوى: 14
قدوتي زينب is on a distinguished road

اوسمتي

المستوى : 23 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
الحياة 0 / 550

النشاط 212 / 21505
المؤشر 3%

افتراضي رد: مدرسة عاشوراء الخالدة دروس وعبر

بسم الله الرحمن الرحيم
بحث مميز
بارك الله بك اخي خالد الاسدي
في ميزان اعمالك
__________________
قدوتي زينب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
دروس فيديو حول الحج والعمرة‎ معصومة المنتدى الإسلآمي العام 8 11-01-2010 07:39 PM
مدرسة الإمام الباقر ( عليه السلام ) ابو بسام قصار المنتدى الإسلآمي العام 5 02-21-2010 09:20 PM
حقوق الوالدين في مدرسة أهل البيت دموع الشرقية منتدى عالم الأسرة والطفل 10 02-04-2010 08:21 PM
دروس من واقعة كربلاء ابو بسام قصار منتدى أهل البيت 4 01-22-2010 06:33 PM
أقوال وعبر ابو بسام قصار منتدى الروايات والقصص 5 01-16-2010 11:06 PM


جميع المواضيع والمشاركات المطروحه في منتديات فدكـ الثقافية تعبر عن رأي أصحابها ولاتعبر عن رأي الإدارة

تطوير واستضافة: شبكة جنة الحسين (عليه السلام) للإنتاج الفني

الساعة الآن: 02:33 AM.


Design By

Powered by vBulletin Copyright ©2000 - 2010
جميع الحقوق محفوظة لـ: شبكة فدك الثقافية