عرض مشاركة واحدة
قديم 12-28-2010, 10:48 PM   #5
خالد الاسدي
 
الصورة الرمزية خالد الاسدي
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
الدولة: العـــــراق
العمر: 63
المشاركات: 5,480
معدل تقييم المستوى: 20
خالد الاسدي is on a distinguished road

اوسمتي

المستوى : 53 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
الحياة 130 / 1306

النشاط 1826 / 53594
المؤشر 26%

افتراضي رد: مدرسة عاشوراء الخالدة دروس وعبر




3. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

بعد التدبّر بمقولة الإمام الخالدة: «أريد أن آمر بالمعروف»(19)، يتّضح أنّ من جملة الدوافع الحقيقية لقيامه عليه السلام هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والذي فيه دلالة على أهميّة هاتين المسؤوليتين.
حينما يسعى الانسان في الأمر بالمعروف، فيجب أولاً أن يهيّئ المستلزمات العقلية والشرعية التي يتطلّبها هذا الأمر، وأن يعمل على تعبئة جهوده واستنفار طاقاته لهذا الغرض. صحيح أنّ هذه المسألة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) واجب كفائيّ، أي بقيام أحد المكلّفين بها يسقط تكليفها عن الباقين، ولكن المشكلة تكمن في إحراز الفرد، قيامَ أحدٍ بالأمر، ليسقط تكليفه عن الباقين، ممّا تحتّم علينا وكلّ من موقعه التصدّي لهذا الأمر، وذلك لأنّ الجهل بأحكام الإسلام في الواجبات والمحرّمات ضارب بأطنابه في أوساط المسلمين.
وكما أنّ القرآن الكريم يتحدّث صراحة عن شكوى النبي صلى الله عليه وآله من هجر المشركين لكتاب الله حيث تقول الآية:
(وقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إنَّ قَوْمي اتَّخَذُوا هَذَا القُرْآنَ مَهْجُوراً)(20).
كذلك كان الأمر من كثير من المسلمين بعد إعراضهم عن كتاب الله تعالى وتركهم امتثال جميع أوامره ونواهيه، خصوصاً بعد رحيل النبي صلى الله عليه وآله إلى الرفيق الأعلى.
فالعمل بالقرآن الكريم وعدم هجره لا يقتصر على إقامة الصلاة وأداء الصوم ومناسك الحجّ وشعائره، بل إنّ لعدم هجر القرآن وأداء حقّه على الوجه الأكمل والتزام حدوده معنى أوسع وأشمل ممّا نتصوّر. هناك طيف عريض من الناس ليس لهم إلمام بالأحكام المعروفة الواردة في كتب الفقهاء. من هنا تأتي ضرورة مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ طبعاً بشروطها ـ وتعليم الناس أحكام الإسلام، وإذا كان الإمام الحسين سلام الله عليه قد ضحّى بنفسه الزكية من أجل تثبيت دعائم الإسلام وتطبيق أحكامه، فإنّ أقل واجب يقع على عاتقنا هو ألاّ نبخل بتعليم الناس أحكام الإسلام، فلو جرى إطلاعهم على مسائل الشريعة لتحصّنوا ـ ولو بمقدار ـ ممّا يعرض لهم في حياتهم. فالسبيل الأمثل لتحقيق هذا الأمر هو تلبية نداء النصرة الذي أطلقه الإمام سيّد الشهداء سلام الله عليه وانتشال الناس من أوحال الحيرة وظلمات الجهالة إلى نور الهداية.
أنقل لكم حادثة سمعتها قبل أكثر من ثلاثين أو أربعين عاماً من أحد رجال الدين، قال إنه عزم على السفر إلى الهند في رحلة تبليغية، وقد ذهب إلى قرية هناك كان يعرفها بالاسم، ولكن لم يكن لديه اطّلاع واضح عنها ولا عن أهلها، وسُرَّ أهل القرية كثيراً لمقدم رجل الدين وإلقائه الخطب فيهم، وفي أحد الأيام أقامت إحدى حسينيات تلك القرية مراسيم عزاء سيّد الشهداء سلام الله عليه، وقد أُلبست بالسواد، وفي أثناء دخول وقت الصلاة انتبه رجل الدين إلى عدم رفع الأذان في الحسينية وعندما سئل عن السبب، صُدِم عندما عرف أنّ أهل القرية لا يعرفون الأذان ولا حتى الصلاة، بل إنّ الإسلام لمّا يدخل قلوبهم بعد، فهم لا يزالون على كفرهم السابق، عند ذاك ارتقى المنبر وخطب في الناس قائلاً: أيّها الناس، قد جاءكم الإمام الحسين سلام الله عليه بعدما عرفتموه بقيامه الذي أنار ظُلَم القلوب، وإنّ لهذا الإمام جدّاً عظيماً ووالداً كريماً وأمّاً طاهرة وأخاً مجتبى يكنّ لهم الإمام حبّاً واحتراماً فائقين، فإن لم يكن هؤلاء قد جاءوا إلى قريتكم بعد، فها هو الإمام الحسين وهو خامسهم قد شرّف دياركم بقدومه، فحريّ بكم أن تستقدموا بقية الأسرة الطاهرة الكريمة لتتشرّفوا بهم وتنهلوا عنهم ما حملوا عن ذلك الجدّ العظيم رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله من ختم رسالات السماء... إلى آخر ما أبان لهم في خطبته المضيئة عن الإسلام والنبيّ وأئمة الهدى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وأضاف قائلاً: لقد أطلعتهم على أصول الدين وفروعه من الألف إلى الياء، ممّا كان له أثر كبير عليهم، حيث اعتنق جميعهم أو معظمهم الإسلام.
في الحقيقة، إنّ قلوب هؤلاء كانت بمثابة صفحات بيضاء لم يُكتب فيها شيء، وحين أضاء نور الإسلام قلوبهم أسلموا له، ولا عجب في هذا، فما تزال الدنيا ـ برغم ظلماتها وضبابها ـ تحتوي على صفحات بيضاء ناصعة مهيّئة لأن تمتلئ بأحرف من نور سيّد الشهداء إذا ما أشرق عليها. وإذا ما حملنا المسؤولية المتمثّلة في هداية الناس وأطلعنا العالم على النهج الحقّ لسيّد الشهداء سلام الله عليه، فستهوي أفئدتهم إليه لا محالة وسينضوون تحت لوائه.
ومن الضروري أيضاً تعرية النهج التعسّفي لبني العباس وبني أمية وإطلاع الناس على الحقيقة المخزية للظلمة أمثال معاوية ويزيد وهارون والمأمون والمتوكل الذين كانوا يقتلون الناس لموالاتهم أهل بيت الرسالة ومعدن العلم آل محمد صلى الله عليه وآله، وعلى الشبهة والظنّة. كذلك وفي الوقت نفسه ينبغي أن ننقل الصورة المشرقة لسيرة الإمام الحسين سلام الله عليه ونهجه مع عدوّه الذي كان في قبضته والذي كان بإمكانه القضاء عليه بإشارة واحدة لكنّه أبى إلاّ أن يُحسن معاملته وأن يسقيه وخيله من الماء. فإذا أحسنّا القيام بواجبنا في تقديم الصورة الناصعة لأهل البيت عليهم السلام إلى بقية الأمم واطّلع الناس عليها، فإنّهم سيعتقدون بهم وبنهجهم، وسيزدادون بعداً عن الظلمة والمستبدّين ومن إليهم.


4. الثقة بالله


على كل فرد منّا أن يمضي في طريق الأهداف التي بذل الإمام الحسين مهجته في سبيل تحقيقها، وأن ننتخي جميعاً لتلبية النداء الذي أطلقه. لقد قال سلام الله عليه في يوم عاشوراء:
«اللهمّ أنت ثقتـي في كلّ كرب»(21).
وللفظة «ثقة» هنا مفهوم عميق، ولربّما نستطيع أن نبيّن معنى قول الإمام هذا في ضوء المعنى العميق الذي تكتنزه لفظة (ثقة) على النحو التالي: «اللهمّ أنت سندي واطمئناني وإيماني واعتمادي».
و«للكرب» أيضاً معنى دقيق وقد اختير من بين المفردات التي تعني الانكماش والاضطراب والحزن. وفي تقديم الضمير هنا دلالة خاصة تتمثّل في الحصر والتخصيص، فيكون المعنى الإجمالي للعبارة: إلهي أنت وحدك مدعاة سكوني واطمئناني عند عظيم الكربة وفرط الغمّ، وأنت من يهدّئ خاطري ويسكّن روعتي.
و الحقّ أنّ فصحاء العرب لم يشهدوا من قبل مثل هذا البيان والترتيب الباهر للألفاظ لتفيد هذه المعاني الراقية والغايات السامية.
إنّها مسألة في غاية الأهمية أن يثق الإنسان بالله ويعتمده، وهي في ذات الوقت صعبة المنال لكنّها ليست بالمستحيلة فهي ممكنة بالجدّ والاجتهاد. فلو وثق الإنسان بربّه، سيبلغ لا محالة مرحلة التكامل ويحلّق في رحبة الآفاق الروحية.
في أغلب الأحيان عندما نعمل عملاً صالحاً تتوق أنفسنا إلى أن يطّلع عليه الآخرون، حتى لو تعاملنا بدهاء لكي نخفي ما جُبلت عليه أنفسنا وحاولنا أن نغطّي على عُجْبها وزهوها، وتظاهرنا بعدم اهتمامنا بهذا الأمر، ستبقى في أعماقنا بقايا رغبة تدفعنا إلى إطلاع الآخرين على إنجازاتنا ونقول في أنفسنا ليت فلان حاضراً ليشهد ما أصنع. فإذا ما وضع الإنسان ثقته بالله وكان موئل اعتماده، كبرت روحه، واتّسع أفقه، وعند ذاك سيطرح عنه هذه الصغائر النفسيّة.
لقد أطلق الإمام الحسين سلام الله عليه، نداءه هذا في لحظات عصيبة افتدى فيها بكلّ ما يملك في الظاهر من هذه الدنيا من إخوة ومال وبنين، وكلّ شيء، وكان هو نفسه مثخناً بالجراح وملقى على الرمال الحارقة في أرض كربلاء التي عفّرت جسده الطاهر وهو ينزف دماً زكياً، في تلك البرهة التي سقط إخوته وأبناؤه وجميع أصحابه الأوفياء مضرّجين بالدماء، ولم يتبقّ إلاّ أهل بيته وعياله الذين كانوا يتابعون المشهد المأساويّ بصبر وألم، في هذا الخضمّ الهائج من البلايا وأمواج المصائب العاتية يتوجّه الإمام سلام الله عليه إلى الله ليؤكّد ثقته به: «اللهمّ أنت ثقتـي في كلّ كرب»، إنّها حقّاً تُبرز أنّه صلوات الله عليه كان ممسوساً في ذات الله تعالى حين يطلق هذا القول وسط غبار المعركة المتصاعد واشتداد أوارها، وهو ما دعا أحد الرواة الشهود على واقعة كربلاء لأن يصف رباطة جأشه وقوّة عزمه سلام الله عليه بما يلي:
«... فو الله ما رأيت مكثوراً قطّ قد قُتل ولده وأهل بيته وصحبه أربط جأشاً منه ...»(22).
ثمّة أناس لم يستوعبوا جيّداً معنى التوكّل، حيث يتصوّرون أنّ التوكّل يعني تركهم للأفعال الواجبة واليومية المتداولة، ويعتقد هؤلاء بتعارض فكرة التوكّل مع الأخذ بالأسباب الدنيوية الطبيعية وأنّ أمور المتوكّلين الدنيوية والمعاشية تتأتّى عن طرق غيبية غير متداولة، وليس عليهم أن يبذلوا الجهد لتهيئة أسباب معيشتهم وتحسين أساليب حياتهم. لكن التعاليم الإسلامية تفنّد هذا التصور. إنّ عبارة «اللهمّ أنت ثقتـي في كل كرب» لا تعني بأيّ حال من الأحوال أن يقفز الإنسان على قوانين الدنيا ويترك الجدّ والاجتهاد ، جاء في القرآن الكريم : (وأن ليس للإنسان إلاّ ما سعى)(23)، فالتوكّل يعني أنّه في الوقت الذي يبذل الإنسان جهده ويأخذ بأسباب الدنيا المتاحة، عليه أن يضع ثقته في التقدير الإلهي ويعتمد على الله سبحانه وتعالى اعتماداً مطلقاً، ويرضى بما قسم له.
من المعلوم أنّ سيّد الشهداء قد أعدّ ليوم عاشوراء كل الأسباب والمستلزمات الضرورية بالتوكّل على الله، ويُروى في هذا الشأن أنّ قافلته كانت تحتوي بالإضافة إلى الأبقار والأغنام، 250 من الإبل، كما ورد في بعض النصوص التاريخية أنّ سيّد الشهداء سلام الله عليه قد حطّ رحاله على أرض كربلاء بمعيّة ألف وخمسمئة شخص(24)، ومعلوم أنّ تهيئة الطعام والماء لهذا العدد من الأشخاص بالإضافة إلى 250 من الإبل ومعها الأبقار والأغنام ليس بالأمر السهل.
قبل أن يلتقي الإمام الحسين سلام الله عليه بالحرّ الرياحي وصل إلى مكان فيه ماء فأمر أصحابه أن يستقوا من الماء، وفي المقابل كان الحرّ يقف مع جنده الذين بلغوا زهاء الألف وقد غرز العطش مخالبه فيهم وفي خيولهم، حول هذه الواقعة، يروي لنا التاريخ: «فقال الحسين لفتيانه: اسقوا القوم وارووهم ورشّفوا الخيل ترشيفاً»(25).
علاوة على شدّة حرارة الجوّ، كان يجب إرواء الخيل والإبل التي تشرب عشرة أضعاف كمية الماء التي يشربها الإنسان، من هنا يتّضح لنا بأنّ الإمام سلام الله عليه كان يحمل معه كمية كبيرة من المياه استطاع أن يسقي بها 1500 من المقاتلين وسائر أفراد القافلة و250 من الإبل، بالإضافة إلى سقاية 1000 مقاتل من جيش الحرّ مع خيولهم، ما يعني أنّ الإمام سلام الله عليه قد أعدّ لمحاربة العدو كل مستلزمات القتال من عدّة وعدد، واحتاط للأمر بما يتناسب مع حجمه وأهميّته.
يتبيّن ممّا قيل، أنّ عبارة «اللهمّ أنت ثقتـي في كلّ كرب» لا تعني بأيّ حال من الأحوال أن يترك الإنسان العمل والمثابرة ويركن إلى الكسل، بل أن يعدّ لكل شيء في هذه الدنيا عدّته ويهيّئ أسبابه، وأن يسعى في حلّ المسائل بالطرق المشروعة، دون أن يستغني عن التوكّل على الله وأن ينيب إليه في جميع أموره وأن يلجأ إليه وحده دون غيره.
نستخلص مما تقدّم أنّ لكلّ من التوكّل والعمل مكانته وأهميّته الخاصّة به، وهما ينسجمان مع بعضهما ويكمّل بعضهما الآخر.

تابــــــــــــــــــــــــع
__________________
السلام عليك يا أبا عبدالله الحُسينْ



لعن الله امة قتلتك يا سيدي و لعن الله امة سمعت بذلك فرضيت

خالد الاسدي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس