عرض مشاركة واحدة
قديم 12-28-2010, 10:44 PM   #4
خالد الاسدي
 
الصورة الرمزية خالد الاسدي
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
الدولة: العـــــراق
العمر: 63
المشاركات: 5,480
معدل تقييم المستوى: 20
خالد الاسدي is on a distinguished road

اوسمتي

المستوى : 53 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
الحياة 130 / 1306

النشاط 1826 / 53582
المؤشر 26%

افتراضي رد: مدرسة عاشوراء الخالدة دروس وعبر


2. معاملة العدو بالحسنى


إن للمدرسة الحسينية عطاءً لا ينفد، ومكاسب لا تبلى، وهي تجسّد عظمة سيّد الشهداء عليه السلام. فالحسين إمامنا ومثلنا الأعلى، فلنرَ ماذا فعل حتى نسلك طريقه ونتبع أثره؟ وهاهنا نستعرض بعض المكاسب التي جادت بها المدرسة الحسينية على الإنسانية، علّنا ننتفع بها في حياتنا:
أحد المآثر التي قام بها الإمام الحسين سلام الله عليه هي تقديمه الماء لأصحاب الحرّ الرياحي، فمن هم يا ترى أصحاب الحرّ. إنّهم جماعة كلّفهم ابن زياد بمهمّة اقتياد الإمام الحسين إليه، وكان سلام الله عليه قد قال: «حتى لو استسلمتُ لهم، فلن يتورّعوا عن قتلي»،
نعم، إنّهم جاءوا لمحاربة الحسين وقتله في حال عدم استسلامه، لكنّ الحرّ رجع إلى نفسه وتاب في يوم عاشوراء بعد الذي بدر منه في البداية، فتاب الله عليه.
والآن لنرَ ماذا فعل أصحاب الحرّ؟ فريق منهم رمى الإمام بوابل من سهامه، وفريق آخر حاربه بالرمح والسيف، وأولئك الذين لم يكن معهم سلاح أمطروه بقطع الخشب والحجارة، كما ساهم بعضهم في قتل علي الأكبر ابن الإمام سلام الله عليه، ومنهم من رمى أبا الفضل العباس بالسهام. وكان الإمام عليه السلام يعرفهم ويعرف نواياهم، لكن مع ذلك سقاهم الماء، وهنا يمكن أن نسأل: «يا أبا عبد الله لماذا سقيتهم الماء؟». الجواب هو أنّ الله تعالى يريد من الإنسان أن يخدم أخاه الإنسان صالحاً كان أم طالحاً، وهنا أيضاً لا ينبغي أن يقال: لو لم يسقهم لما دخل بعضهم النار معللاً الأمر بأنهم كانوا سيموتون من العطش، وبالتالي لم يكونوا ليشاركوا في محاربته سلام الله عليه، لأنّ الله يريد من الإنسان أن يخدم نظيره الإنسان بغضّ النظر عن كونه كافراً أو مسلماً، عادلاً أو فاسقاً، ولكن بشرط أن لا تكون تلك المساعدة علامة على تأييد مسلكهم الخاطئ.
لنحاول تعلّم هذه الدروس من الإمام عليه السلام وأن نستعمل ألسنتنا ومواقفنا في فعل الخير دائماً ومع الجميع دون استثناء، فإذا كان باستطاعتنا التفريج عن كربة مكروب لا نتردد في ذلك، وإذا كان بإمكان المرء أن يساعد بماله أو لسانه أو التوسّط للمساعدة لصالح من يعرفه أو حتى من لا يعرفه، فليفعل.
لاشكّ في أنّ قتلة الإمام الحسين كانوا شرّ خلق الله، لكن مع ذلك نرى الإمام سلام الله عليه نفسه في ذلك اليوم يترجّل عن فرسه ليسقي من ماء قربته أحد أفراد العدوّ الذي زالت قواه من شدّة العطش ولم يقوَ على النهوض، يقول بعض الرواة بأنّ ذلك الشخص كان أحد الذين شاركوا في قتل الإمام الحسين يوم عاشوراء، والإمام نفسه كان يعلم بهذا، ومع ذلك سقاه الماء.
كان بإمكان الإمام الحسين سلام الله عليه عند لقائه الحرّ وجيشه المنهك العطشان أن يبيدهم عن بكرة أبيهم بإشارة واحدة ـ كما قلناـ خصوصاً أنّه كان أكثر منهم استعداداً وتأهّباً وجاهزيّة للقتال، وكان محتاطاً لكل شيء، وفي المقابل كان أفراد جيش العدو خائرين وعطاشى، ولم يكونوا يقوون على القتال، ولو قُدّر لهم أن يشتبكوا لما نجا منهم أحد البتّة، لقد كان أولئك في قبضة الإمام سلام الله عليه وما كان عليه إلاّ أن يشدّ قبضته حتى يعصرهم في سويعات قليلة فيقضي عليهم أو يأسرهم في معركة سهلة، لكن ليست هذه من شيم الإمام سلام الله عليه ونبل أخلاقه، فقد عاملهم بالحسنى وقدّم لهم ولخيولهم الماء ليرتووا.
لقد وقف الحرّ في طريق الإمام الحسين سلام الله عليه ولم يسمح له بالتقدّم معلّلاً ذلك بأنّه مأمور بالتصدّي لجيش أبي عبد الله ومنعه من التقدّم، وعلى الرغم من أنّ الحرّ لم يتعرّض للإمام سلام الله عليه بسوء لأصالة معدنه ونقاء ذاته، إلا أنّه على أيّ حال كان يُحسَب على الأعداء، وكان بمقدور الإمام منع الماء عنه وعن جيشه ليهلكوا جميعاً من العطش، لأنّه كان في حالة دفاع عن النفس، لكنّه أبى أن يلجأ لمثل هذه الأساليب ومعاملتهم بنفس منطقهم، وأن يبيح لنفسه إهلاكهم بالعطش. فسيرة أئمّتنا سلام الله عليهم سيرة الهداية وإنقاذ الناس.
لقد ضرب الإمام سلام الله عليه مثلاً رائعاً في اللطف والعطف حتى مع أعدائه وكان يأمل أن يهدي به الله ولو فرداً واحداً من جيش العدو وينقذه من شفير الهاوية وعذاب الآخرة.
تنطوي هذه الأحداث والوقائع المروّعة والمعبّرة في آن معاً على دروس جمّة وعميقة الغور وهي تعتبر بحقّ مصنع الإنسان، وإنّ الوقوف عند تفاصيلها مدعاة للوعي والتنوير.
علينا أن نعمل جاهدين لكي نعرّف العالم على هذه السيرة المفعمة بمعاني الإنسانية، وأن نثبت لهم بأنّ الإسلام يختزن في كل لبنة من لبنات صرحه الشامخ مبادئ الرحمة والمروءة والواقعية والإنسانية بكلّ ما في هذه الكلمات من معانٍ ومفهوم وفي أرقى مستوياتها، ومتى ما استطعنا إيصال تلك التعاليم المضيئة إلى أسماع العالم فإنّنا قد أنزلنا هدف الإمام الحسين سلام الله عليه «ليستنقذ عبادك» إلى أرض الواقع والتطبيق.
والجدير بالملاحظة أنّ الجهل بهذه التعاليم النورانية لا يقتصر على غير المسلمين في العالم بل أنّ الكثير من المسلمين لا يزالون يجهلون الجزء الأكبر من حقائقها. وهذه التعاليم تتطلّب الشرح والتفسير وتنطوي على دقائق وأسرار كثيرة ينبغي لنا أن نعرضها على الناس كما هي.
في رواية صحيحة عن الإمام علي بن موسى الرضا سلام الله عليه أنّه قال لأبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي ـ وهو من الثقات ـ : «رحم الله عبداً أحيا أمرنا، فقال أبو الصلت: وكيف ذلك؟ فقال الإمام:
يتعلّم علومنا ويعلّمها للناس، فإنّ الناس لو عَلموا محاسن كلامنا لاتّبعونا»(18).
إنّ درجات العلماء ومراتبهم عند الله سبحانه وتعالى وأهل البيت سلام الله عليهم يوم القيامة تعتمد على مقدار علمهم وجدّهم واجتهادهم في هداية عباد الله وإرشادهم.
حينما نقول مثلاً إنّ فلاناً جادّ في عمله نعني أنّه يسعى في كسب رزقه في كلّ الأحوال والظروف صيفاً وشتاءً، ولا يؤثّر عليه شيء آخر، وكذلك هو الحال مع من يريد أن يتشرّف بزيارة بيت الله الحرام فلن يتوانى عن طرق جميع الأبواب وتهيئة مستلزمات هذا الأمر العظيم حتى يوفّق في تحقيقه. وهكذا بالنسبة للعالم المجدّ الذي يسعى في هداية خلق الله فهو لا يترك صغيرة أو كبيرة إلا ولجأ إليها لكي يفوز بهدفه وهو عبودية الناس لله وهدايتهم وما من شك أنّ الله يسدّد خطاه في مسعاه.
إذا عقد أهل العلم العزم على هداية الناس وأظهروا الجدّية في إيصال رسالة أهل البيت سلام الله عليهم، عند ذاك نستطيع القول أنّهم قد ارتقوا إلى مستوى المسؤولية وأدّوا ما عليهم، والحقّ أنّ الإمام الحسين سيّد الشهداء لم يجر تعريفه للناس كما يجب وكما هو حقّه باعتباره إمام الحقّ في الدنيا والآخرة وإمام الإنس والجنّ، ولا شكّ أنّها مهمّتنا جميعاً وبالأخصّ أهل العلم أن نقدّم سيرة الإمام إلى العالم وأن نجسّد مقولة الإمام المعصوم الخالدة المتمثّلة في عبارة «ليستنقذ عبادك» على الواقع.
نأمل أن نستوعب جميعاً دروس المدرسة الحسينية في الهداية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والثقة بالله تعالى وإظهار المحبّة مع الصديق والعدوّ... وغير ذلك من الدروس القيّمة، وأن نعلّمها للناس، ونجعلها مهمّتنا جميعاً بلا استثناء، إن شاء الله.
تابـــــــــــــــــــــــــــــــع

__________________
السلام عليك يا أبا عبدالله الحُسينْ



لعن الله امة قتلتك يا سيدي و لعن الله امة سمعت بذلك فرضيت

خالد الاسدي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس