فعن سعد بن عبد الله قال
سألت القائم عليه السلام
عن تأويل كهيعص
قال عليه السلام
هذه الحروف من أنباء الغيب أطّلع الله عليها عبده زكريا ثم قصها على محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وذلك أن زكريا سأل الله ربه أن يعلمه أسماء الخمسة، فأهبط عليه جبرئيل عليه السلام فعلمه إيّاها، فكان زكريا إذا ذكر محمداً وعلياً وفاطمة والحسن عليهم السلام سُرِّي عنه همه، وانجلى كربه، وإذا ذكر اسم الحسين عليه السلام خنقته العبرة، ووقعت عليه البهرة، فقال ذات يوم إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعة منهم تسليت بأسمائهم من همومي، وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي؟ فأنبأه الله تبارك وتعالى عن قصته
بحار الأنوار: ج 44 ص 223
وفي تفسير الدر المنثور في تفسير قوله تعالى :
فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (البقرة:37)
أنه رأى ساق العرش وأسماء النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام فلقنّه جبرئيل قل
يا حميد بحق محمد، و يا عالي بحق علي، يا فاطر بحق فاطمة، يا محسن بحق الحسن والحسين ومنك الإحسان، فلما ذكر الحسين سالت دموعه وانخشع قلبه وقال
يا أخي جبرائيل في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي؟
قال جبرائيل
ولدك هذا يصاب تصغر عندها المصائب؟ فقال يا أخي وما هي؟
قال
يقتل عطشاناً غريباً وحيداً فريداً ليس له ناصر ولا معين
بحار الأنوار: ج 44 ص 245
وقد ورد في صحيح الأخبار عن آل النبي المختار عليهم السلام أنّه في يوم عاشوراء بكت جميع الخلائق على أبي عبدالله حتى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار، بل بكاه أيضاً أهل جهنّم من الكافرين، وما ذلك إلاّ لأنّ الدمعة صنيعة قضية الحسين صلوات الله وسلامه عليه، وأيّاً كانت العين الباكية فإنّ محابس الدموع فيها لا تتمكّن من حبسها عندما تذكر قصّته الحزينة المؤلمة. عن أبي عبد الله عليه السلام قال أنا قتيل العبرة قتلت مكروباً وحقيق عليّ أن لا يأتيني مكروب قط إلاّ رده الله و أقلبه إلى أهله مسروراً
كامل الزيارات: ص216
وقال عليه السلام
أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلاّ بكى
كامل الزيارات: ص 215
ولنعم ما قال الشاعر: تبكيك عيني لا لأجل مثوبة! لكنّما عيني لأجلك باكية ولربما لاحظ البعض أنّ اسم حسين هو بحدّ ذاته ذو إيقاع حزين خاص خلافاً لكلّ الأسماء الأُخرى، ولربما لا يجد علماء النفس لذلك سبباً منطقياً وجيهاً، فأن يكون لهذا الاسم إيقاعه الحزين عند الذين يمتلكون الخلفية الثقافية عنه من الشيعة؛ ومن يعرفون قصّة استشهاده وسيرته؛ فذلك أمر ليس بعجيب، ولكن العجيب هو تأثّر من لم يعرفوا عن سيّد الشهداء عليه السلام شيئاً وإنّما لمجرد سماعهم باسمه الشريف إذ كيف يتأثّر من كان كذلك بمجرد إنصاته بهدوء لاسم حسين مكررا؟
وكيف يحسّ بتلك المشاعر الحزينة وقد انتابته ما إن تردّد عليه هذه الكلمة؟
إنّ هذا هو ما لا يمكن تفسيره إلاّ بالغيب والفطرة الإلهية حيث قضى الله تعالى أن يكون اسم الحسين عليه الصلاة والسلام مثيراً للحزن واللوعة والدمعة. ولنضرب مثالاً لذلك فنقول إنّ طائر البومة قد ارتبطت صورته في الذاكرة الإنسانية بالحزن دون سبب علمي وجيه إلاّ أنّ شكل هذا الطائر أعطى هذا الانطباع، فهكذا هو اسم الحسين، يبعث النفس البشرية إلى أن تحزن وتتألّم فكيف إذا علمنا بأنّ طائر البومة كما ورد في الروايات ظلّ حزيناً حقّاً منذ مقتل الحسين بن علي عليهما الصلاة والسلام؟
إنّ كلّ من يسمع بقضية أبي عبدالله لا يمكنه إلاّ أن يتأثّر وإلاّ أن تدمع عيناه، حتى وإن كان قلبه من حجر، فإنّ الحجر نفسه بكى على الحسين دماً إذ لم يُرَ حجر في يوم العاشر إلاّ ووجُد أسفله دم عبيط! بل التاريخ يذكر أنّ السماء بكت دماً على الإمام الحسين عليه السلام. وما هذا إلا لأن قضية الحسين صلوات الله عليه قضية استثنائية تكوينا وتشريعا، وهنا أمر آخر استثنائي يرتبط بالدم، إنه الدم الذي يتدفق من أجساد الموالين يوم العاشر من محرم كل عام دون أن يُصابوا بالأذى! والدم الذي يتدفق من صخرة في الشام وُضع عليها رأسه الشريف قبل أربعة عشر قرنا! والدم الذي ينسال من شجرة في قزوين حطّت عليها طيور حملت قطرات من دم الحسين الشهيد بأبي هو وأمي
فهل هذه إلا خروقات للقواعد الكونية! وهل هذه إلا تعابير حيّة عن قضية استثنائية لا مثيل لها ولن يكون لها مثيل إلى يوم الدين
ألا إن الحسين
ماء الحياة
ودمعة الفؤاد
ودم الثورة
نسألكم الدعاء