رد: هذه افعال يزيد بشيعة امير المؤمنين عليه السلام؟؟؟؟
وأشدّ عليهم من مناقب عثمان وفضله، فقرئت كتبه على الناس، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، وجدّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتّى أشادوا بذكر ذلك على المنابر، وأُلقي إلى معلّمي الكتاتيب، فعلّموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتّى رووه وتعلّموه كما يتعلّمون القرآن، وحتّى علّموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم، فلبثوا بذلك ما شاء الله.
ثمّ كتب إلى عمّاله نسخة واحدة إلى جميع البلدان: انظروا من قامت عليه البيّنة أنّه يحبّ عليّاً وأهل بيته، فامحوه من الديوان، وأسقطوا عطاءه ورزقه، وشفع ذلك بنسخة أُخرى: من اتّهمتموه بمولاة هؤلاء القوم فنكّلوا به واهدموا داره.
فلم يكن البلاء أشدّ ولا أكثر منه بالعراق، ولا سيّما بالكوفة حتّى إنّ
الرجل من شيعة علي (عليه السلام) ليأتيه من يثق به، فيدخل بيته فيلقي إليه سرّه، ويخاف من خادمه ومملوكه، ولا يحدّثه حتّى يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليكتمنّ عليه، فظهر حديث كثير موضوع، وبهتان منتشر، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة، وكان أعظم الناس في ذلك بليّة القرّاء المراؤون، والمستضعفون، الذين يظهرون الخشوع والنسك، فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم، ويقرّبوا مجالسهم، ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل، حتّى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديّانين الذين لا يستحلّون الكذب والبهتان، فقبلوها ورووها وهم يظنّون أنّها حقّ، ولو علموا أنّها باطلة لما رووها ولا تديّنوا بها.
فلم يزل الأمر كذلك حتّى مات الحسن بن علي (عليه السلام) ، فازداد البلاء والفتنة، فلم يبق أحد من هذا القبيل إلاّ وهو خائف على دمه، أو طريد في الأرض.
ثمّ تفاقم الأمر بعد قتل الحسين (عليه السلام) وولي عبد الملك بن مروان، فاشتدّ على الشيعة، وولّي عليهم الحجّاج بن يوسف، فتقرّب إليه أهل النسك والصلاح والدين ببغض علي وموالاة أعدائه، وموالاة من يدّعي من الناس أنّهم أيضاً أعداؤه، فأكثروا في الرواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم، وأكثروا من الغضّ من علي (عليه السلام) وعيبه، والطعن فيه، والشنآن له حتّى إنّ إنساناً وقف للحجّاج ـ ويقال إنّه جدّ الأصمعي عبد الملك بن قريب ـ فصاح به: أيّها الأمير إنّ أهلي عقّوني فسمّوني عليّاً، وإنّي فقير بائس، وأنا إلى صلة الأمير محتاج، فتضاحك له الحجّاج، وقال: لِلُطفِ ما توسّلت به قد ولّيتك موضع كذا.
وقد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه ـ وهو من أكابر المحدّثين
وأعلامهم ـ في تاريخه ما يناسب هذا الخبر، وقال: إنّ أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيّام بني أُميّة، تقرّباً إليهم بما يظنّون أنّهم يرغمون به أُنوف بني هاشم(1) .
وجاء في " رسائل أبي بكر الخوارزمي ":
وكتب إلى جماعة الشيعة بنيسابور لمّا قصدهم محمّد بن إبراهيم واليها:
سمعت أرشد الله سعيكم وجمع على التقوى أمركم، ما تكلّم به السلطان الذي لا يتحامل إلاّ على العدل، ولا يميل إلاّ على جانب الفضل، ولا يبالي بأنْ يمزّق دينه إذا رفا دنياه، ولا يفكّر في أن لا يقدّم رضا لله إذا وجد رضاه، وأنتم ونحن، أصلحنا الله وإيّاكم، عصابة لم يرض الله لنا الدنيا فذخرنا للدار الأُخرى، ورغب بنا عن ثواب العاجل فأعدّ لنا ثواب الآجل، وقسّمنا قسمين: قسماً مات شهيداً وقسماً عاش شريداً، فالحيّ يحسد الميت على ما صار إليه، ولا يرغب بنفسه عمّا جرى عليه.
قال أمير المؤمنين ويعسوب الدين (عليه السلام) : المحن إلى شيعتنا أسرع إلى الحدور.
وهذه مقالة أُسّست على المحن، وولد أهلها في طالع الهزاهز والفتن، فحياة أهلها نغص، وقلوبهم حشوها غصص، والأيّام عليهم متحاملة، والدنيا عنهم مائلة، فإذا كنّا شيعة أئمّتنا في الفرائض والسنن، ومتّبعي آثارهم في ترك كلّ قبيح وفعل حسن، فينبغي أن نتّبع آثارهم في المحن.
____________
(1) شرح ابن أبي الحديد ج 11 ص 44 ـ 46، الدرجات الرفيعة ص 6 ـ 8.
غُصبت سيدتنا فاطمة صلوات الله عليها وعلى آلها ميراث أبيها صلوات الله عليه وعلى آله، يوم السقيفة، وأُخّر أمير المؤمنين عن الخلافة، وسُمّ الحسن رضي الله عنه سرّاً، وقتل أخوه كرّم الله وجهه جهراً، وصُلب زيد بن علي بالكناسة، وقطع رأس زيد بن علي في المعركة(1) ، وقُتل ابناه محمّد وإبراهيم على يد عيسى بن موسى العبّاسي، ومات موسى بن جعفر في حبس هارون، وسُمّ علي بن موسى بيد المأمون، وهُزم إدريس بفخ حتّى وقع إلى الأندلس فريداً، ومات عيسى بن زيد طريداً شريداً، وقُتل يحيى بن عبد الله بعد الأمان والأيمان، وبعد توكيد العهود والضمان.
هذا غير ما فعل يعقوب بن الليث بعلوية طبرستان، وغير قتل محمّد ابن زيد والحسن بن القاسم الداعي على أيدي آل ساسان، وغير ما صنعه أبو السيّاح في علوية المدينة، حملهم بلا غطاء ولا وطاء، من الحجاز إلى سامرّاء، وهذا بعد قتل قتيبة بن مسلم الباهلي لابن عمر بن علي حين أخذه بابويه، وقد ستر نفسه، ووارى شخصه، يصانع حياته، ويدافع وفاته، ولا كما فعله الحسين بن إسماعيل المصعبي بيحيى بن عمر الزيدي خاصّة، وما فعله مزاحم بن خاقان بعلوية الكوفة كافّة.
وبحسبكم أنّه ليست في بيضة الإسلام بلدة إلاّ وفيها لقتيل طالبي تربة تشارك في قتله الأُموي والعبّاسي...
قادتهم الحميّة إلى المنيّة، وكرهوا عيش الذلّة، فماتوا موت العزّة، ووثقوا بما لهم في الدار الباقية، فسخت نفوسهم عن هذه الفانية، ثمّ لم يشربوا كأساً من الموت إلاّ شربها شيعتهم وأولياؤهم، ولا قاسوا لوناً من
____________
(1) الظاهر أنّ هنا سقطاً يتعلّق بعبد الله بن الحسن.
الشدائد إلاّ قاساه أنصارهم وأتباعهم.
داس عثمان بن عفّان بطن عمّار بن ياسر بالمدينة، ونفى أبا ذرّ الغفاري إلى الربذة، وأشخص عامر بن عبد القيس التميمي، وغرّب الأشتر النخعي وعديّ بن حاتم الطائي، وسيّر عمر بن زرارة إلى الشام، ونفى كميل بن زياد إلى العراق، وجفا أُبي بن كعب وأقصاه، وعادى محمّد بن أبي حذيفة وناواه، وعمل في دم محمّد بن سالم ما عمل، وفعل مع كعب ذي الخطبة ما فعل.
واتبعه في سيرته بنو أُميّة، يقتلون من حاربهم، ويغدرون بمن سالمهم، لا يحفلون المهاجري، ولا يصونون الأنصاري، ولا يخافون الله، ولا يحتشمون الناس، وقد اتّخذوا عباد الله خولا ومال الله دولا، يهدمون الكعبة، ويستعبدون الصحابة، ويعطّلون الصلاة الموقوفة، ويحطّمون أعناق الأحرار، ويسيرون في حرم الرسول سيرتهم مع الكفّار، وإذا فسق الأُموي فلم يأت بالضلالة عن كلالة.
قتل معاوية حجر بن عديّ الكندي وعمرو بن الحمق الخزاعي بعد الأيمان المؤكّدة والمواثيق المغلّظة، وقتل زياد بن سميّة الأُلوف من شيعة الكوفة وشيعة البصرة صبراً، وأوسعهم حبساً وأسراً، حتّى قبض الله معاوية على أسوأ أعماله، وختم عمره بشرّ أحواله، فاتّبعه ابنه، يجهز على جرحاه ويقتل أبناء قتلاه...
ثمّ تسلّط ابن الزبير على الحجاز والعراق، فقتل المختار بعد أن شفى الأوتار وأدرك الثار وأفنى الأشرار، وطلب بدم المظلوم الغريب، فقتل قاتله ونفى خاذله، وأتبعوه أبا عمر بن كيسان، وأحمر بن شميط، ورفاعة بن يزيد، والسائب بن مالك، وعبد الله بن كامل، وتلقّطوا بقايا الشيعة،
|