عرض مشاركة واحدة
قديم 03-29-2013, 03:57 AM   #11
عبد القهار
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
المشاركات: 121
معدل تقييم المستوى: 13
عبد القهار is on a distinguished road

المستوى : 10 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
الحياة 0 / 225

النشاط 40 / 8353
المؤشر 3%

افتراضي تفسير بعض من آيات سورة آل عمران ( 10)



159 – ثمّ بيّن سبحانه أنّ مساهلة النبيّ إيّاهم ومجاوزته عنهم من تعداد رحمته تعالى حيث جعله ليّن العطف حسن الخلق فقال (فَبِمَا رَحْمَةٍ) أي فبرحمةٍ وحرف (ما) للتنوّع ، والمعنى ومن بعض أنواع النعم التي أنعم الله بِها عليهم أن جعلك ليّن القلب غير قاسٍ لكي ينقادوا لك ولا ينفروا منك (مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ) معناه أنّ لينك لهم مِمّا يوجب دخولهم في الدين (وَلَوْ كُنتَ) يا محمّد (فَظًّا) أي جافياً سيّء الخلق (غَلِيظَ الْقَلْبِ) أي قاسي القلب (لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) أي لتفرّق أصحابك عنك ونفروا منك (فَاعْفُ عَنْهُمْ) زلّتهم يوم أحد (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) أي اطلب لهم المغفرة من الله (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) أي في أمر الحرب وغيره مِمّا لم ينزل به وحي لتقتدي بك أمّتك في المشورة ، وفي آية أخرى قال تعالى في سورة الشورى {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} . (فَإِذَا عَزَمْتَ) على عمل شيء بعد المشاورة (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ) أي فاعتمد عليه وثق به وفوّض أمرك إليه (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) عليه فينصرهم ويقضي حوائجهم .

161 – لَمّا رجع المنهزمون من أصحاب النبيّ يوم أحد واعتذروا إليه قبل عذرهم وعفا عنهم ، فقال بعضهم لبعض لو كنّا مع قريش وكانت هذه الهزيمة منّا لم يقبل عذرنا أبو سفيان بل لأهاننا عليها وحقد قلبه علينا ولكنّ النبيّ قبل عذرنا وعفا عنّا . فنزلت هذه الآية (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ) وتقديره ما كان لنبيٍّ أن يهين قومه وما كان له أن يغلّ ، يعني وليس له أن يكون حقوداً عليهم . فالغلّ يريد به الحقد ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الأعراف في وصف أهل الجنة {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ} يعني من حقدٍ . وقال أيضاً في سورة الحشر{وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} . وقوله (وَمَن يَغْلُلْ) يعني ومن يحمل قلبه غيظاً وحقداً على قومه (يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) يعني يأتي بحقده عليهم فلا يشفع لهم ، ولكنّنا لم نختر للرسالة أناساً حقودين بل جعلناهم مسامحين (ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ) من قومه جزاء (مَّا كَسَبَتْ) في دار الدنيا من خير أو شرّ (وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) في حقّهم .

162 - ثمّ بيّن سبحانه بأنّ الأنبياء لا تقاس بالكفرة والمشركين فقال (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ) وهو محمّد (كَمَن بَاء بِسَخْطٍ مِّنَ اللّهِ) وهو أبو سفيان ، والمعنى أتقيسون محمّداً الذي اتّبع رضا الله بأبي سفيان الذي باء بسخط من الله فتقولون لوكنّا من أصحابه وحدثت هذه الحادثة في معسكره لأهاننا وحقد قلبه علينا (وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ) يوم القيامة (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) يكون مصيره .

وأظنّك تقول أنّ النبيّ قد عفا عن أبي سفيان يوم فتح مكّة وقال من دخل دار أبي سفيان فهو آمِن . أقول هذا صحيح ولكنّ النبيّ من سجاياه الكرم والعفو والشفقة على قومه ولذلك عفا عنه ، ولقد عفا عن كثير من الناس ليس أبو سفيان وحده ، ولكنّ أعمال أبي سفيان وجرائمه لا تغتفر فقد كان رأس الفتنة وسبب العداوة وقائد جيش الكفر ، فقد أهان المسلمين وقتلهم وشرّدهم ، ولكنّ النبيّ عفا عنه بحسن أخلاقه وكريم سجاياه كما قال الشاعر :

مَلَكْنا فكانَ العفوُ مِنّا سجِيّةً فَلَمّا مَلَكْتمْ سالَ بِالدَّمِ أبْطََحُ

فَحَسبُكمُ هذا التفاوُتُ بَينَنا وكلّ إناءٍ بِالذي فيهِ يَنضحُ

فقد قال الله تعالى في سورة المائدة {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ ...الخ} ثمّ يقول {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} فالتوبة تقبل قبل المقدرة لا بعد المقدرة .

163 – ثمّ بيّن سبحانه بأنّ الأنبياء درجات ومراتب وليس كلّهم سواء في الأخلاق والأعمال فقال (هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ) يعني هم على مراتب ومنازل ، ومِمّا يؤيّد هذا قوله تعالى في سورة الإسراء {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ} ، (واللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) فيعطي كلاً منهم على قدر اعماله .

165 – ثمّ عاد الكلام إلى ذكر الجهاد فقال تعالى (أَوَلَمَّا) تقديره ولَمّا أصابتكم مصيبة قلتم أنّى هذا , والألف للاستفهام (أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ) يوم أحد (قَدْ أَصَبْتُم) من المشركين (مِّثْلَيْهَا) يوم بدر ، فقد قتل من المسلمين سبعون رجلاً يوم أحد ، ولكنّ المشركين قتل منهم سبعون وأسر سبعون وذلك يوم بدر ، ثمّ (قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا) أي كيف يكون هذا الخذلان علينا والنصر للكافرين (قُلْ) يا محمّد (هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ) أي قل لهم إنّ الذي أصابكم من قتل وهزيمة كان سببه أصحابكم الذين تركوا أماكنهم وذهبوا وراء السلب والنهب فجاء العدوّ من خلفهم وضربهم و (إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)فقد كان قادراً على نصركم ولكن لم ينصركم في ذلك اليوم لأنّكم خالفتم أمر نبيّكم وتركتم مراكزكم فحلّ بكم ما قد حلّ .



منقول من كتاب تفسير المتشابه
للراحل محمد علي حسن الحلي رحمه الله تعالى
عبد القهار غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس