انتهى الشهر الأول ونزل الراتب الأول لحساب محمد ..
لم تطب نفسه به, ما قيمة المال بلا أم ؟!
هكذا كان يفكر حتى اهتدى لطريق من طرق البر عظيم,
وعزم على نفسه أن يرد جميل أمه حتى وهي تحت التراب,
عزم محمد أن يقتطع ربع راتبه شهريا ويجعله صدقة جارية لوالدته, وهذا ما حصل بالفعل ..
حفر لها عشرات الآبار وسقى الماء وبالغ في البر والمعروف,
ولم يقطع هذا الصنيع أبدا حتى شاب عارضاه وكبر ولده ولا يزال الربع مُوقفاً لأمه,
كانت أكثر صدقاته في برادات الماء عند أبواب المساجد ..
وفي يوم من الأيام وجد عاملا يقوم بتركيب برادة عند المسجد الذي يصلي فيه محمد ..
عجب محمد من نفسه !!!
كيف غفلت عن هذا مسجد حينا حتى فاز به هذا المحسن !! فرح للمحسن وندم على نفسه !!!!
حتى بادره إمام المسجد من الغد شاكرا وذاكرا معروفه في السقيا !!!!
قال: محمد لكني لم أفعل ذلك في هذا المسجد !!!! قال بلى جاءني ابنك عبد الله
– وهو شاب في المرحلة الثانوية - وأعطاني المبلغ قائلا:
هذا سأوقفه صدقة جارية لأبي, ضعها في برادة ماء,
عاد الكهل محمد لابنه عبد الله مسرورا بصنيعه...
سأله: كيف جئت بالمبلغ ؟! ليجيبه بأنه مضى عليه
خمس سنوات يجمع الريال على الريال حتى استوفى قيمة البرادة !
وقال: رأيتك يا أبي منذ خرجتُ إلى الدنيا تفعل هذا بوالدتك.. فأردت أن أفعله بوالدي..
ثم بكى عبد الله وبكى محمد ولو نطقت تلك الدمعات لقالت:
إن بركة بر الوالدين تُرى في الدنيا قبل الآخرة... يا الله رحماك...
__________________
يامهدي ... فـ هذي أيادينا تعلّقتْ بـ حبلِ السماء تهزّ بابَ العطف والوجود
ليسّاقطَ ثمرُ الشفاعةِ رطباً جنيّاً يحيي قلوبَ السائلين
والباحثين في ليلة النصف عن سبلِ النجاة