رد: شبهة انتشار الإسلام بالإرهاب
الأمر الثاني: ملاحظة تأريخ الدعوة:
أولاً: تأريخ الدعوة في مكة
تعلمون إنَّ الدعوة بدأت في مكة، وكان - كما قلنا- رسول الله وحده يدعو إلى الله، وكان معه عليّ وخديجة، وبدأ الناس يدخلون في الإسلام، ولم يكن بيد رسول الله سيف، ولم يكن معه جلاّد، وبدأ الناس يدخلون سرّاً وعلناً، فدخل معه في هذا الدين الضعفاء، كما دخل معه بعض الأقوياء، وبدأ المعتنقون للدين يكثر عددهم ويزداد يوماً بعد يوم حتى ضاقت بهم قريشُ ذرعاً، وفي كلِّ ذلك الوقت لم يكن لرسول الله سلطان، ولم تكن له دولة، ولم يكن عنده من جيش، فلم يكن بمقدوره انْ يُمارس أيَّ نوع من أنواع الترهيب، بل كان رسول الله (ص)، ومن آمن معه، هم من مُورس معهم الإرهاب، وهم الذين وقعوا ضحية الإرهاب والتعسُّف، فكان أتباعه يُعَذَّبون بأقسى أنواع التعذيب، فكان بعضهم يُقْتل، وآخرون يُصفَّدون ويُحْبسون في لهب الشمس، وهجير الصحراء، وتوضع على صدورهم الصخور الملتهبة، وكانوا يُحرَّقون بالنار.
إذن، فأتباع رسول الله (ص) هم من مورس معهم الإرهاب، ورسول الله نفسه هو من مورس معه الإرهاب، فكان يُوضَع الشوك في طريقه، وكان إذا سجد يأتي أحدُهم فيضع رجله على رقبته، حتى تجحظ عيناه من وجهه، وكان (ص) مقاطَعاً، حتى لا يكاد يجد من يبيعه الطعام من كفار قريش، ثم حُبس هو وبنو هاشم في شِعْبِ أبي طالب ثلاث سنين(13)، حتى وَضع حجر المجاعة على بطنه، فكان بنو هاشم لا ينامون الليل؛ يخشون من سهمٍ طائش يقع في قلب رسول الله (ص).. ألم يذكر التأريخ أنَّ أبا طالبٍ وعلياً وبني هاشم يتحلَّقون حول رسول الله يخشون أن يطيش سهمٌ، فيقع في قلبه؟! وكان أبو طالب يأمر علياًّ أن يُوهم العرب من كفار قريش، فينام على فراش رسول الله، ويقوم رسول الله وينام على فراش عليٍّ، وهكذا يتبادلان الفراش في الليل مرَّاتٍ، حتى يُوهموا قريشاً بموقع رسول الله.
ثانياً: تأريخ الدعوة في الطائف
وحينما خرج إلى الطائف يدعوهم إلى الله وحده، وكان معه عليّ، بأيّ شيء قابلوه؟! سخروا منه ثم رضخه صبيانهم بالحجارة، حتى ذكر المؤرخون أنه ما رفع رسول الله رِجْلاً ووضع أُخْرى إلاَّ ورضخته حجر، وكان الدم ينضح من ساقيه، ومن تمام جوانب بدنه(14).
إذن فرسول الله هو من مورس معه الإرهاب والتعسُّف، حتى خرج من مكة خفية وخلسة.
ثالثاً: تأريخ الهجرة إلى الحبشة والمدينة
وهكذا فعل أصحاب رسول الله (ص)، لمَّا أن استبدَّ بهم الخوف من سطوة قريش، أمرهم رسول الله (ص) بالهجرة إلى الحبشة، فخرجوا خوفاً على أنفسهم، ودينهم، وعلى أعراضهم، وأموالهم، فقد سُلبت أموالهم وبيوتهم، فخرجوا إلى محلٍّ بعيدة وهي الحبشة، فلاحقتهم قريش وذهبت إلى هناك، وبعثت بالهدايا إلى ملك الحبشة لتغريه بتسليم المؤمنين إليهم، ولكنه لمَّا لم يكن يعبأ بالهدايا، سألهم عن سبب طلبهم لهؤلاء اللاجئين؟ قالوا إنهم صابئة، خرجوا عن دين أجدادهم وآبائهم. فقال لوفد المسلمين: وأنتم ماذا تقولون؟ قالوا: إنَّه قد بُعث فينا رجل من أنفسنا، دعانا إلى الفضيلة، وإلى ونبذ الزنا وشرب الخمر وعبادة الأوثان.
فسألهم عما يقول صاحبهم في السيد المسيح، وفي السيدة مريم؟
لاحظوا الوسيلة التي اعتمدها المسلمون لغرض حماية أنفسهم، ولغرض إقناع هذا الرجل –الملك–، فتلا عليه جعفر بن أبي طالب سورة مريم، فقال: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا﴾(15) فتأثر النجاشي ملك الحبشة، وقال: إنَّ الذي يأتي صاحبكم، هو الناموس، الذي كان يأتي المسيح(16). هذه هي الوسائل التي اعتمدها رسول الله (ص)، واعتمدها أتباعه، في الوصول إلى غايتهم من نشر الدعوة.
ثم لم تكتفِ قريش بأن تسبَّبت في أن يُهاجر المسلمون عن رسول الله (ص) إلى الحبشة، بل استمروا في تعسُّفهم، وظلمهم، واستبدادهم، ضد من بقي من المسلمين، فاضطر رسول الله (ص) للهجرة إلى المدينة.. و حيمنا خرج رسول الله إلى المدينة، لم يتركوه وشأنه، بل ضايقوه وألبَّوا عليه عرب الجزيرة واليهود.
النتيجة:
هذا هو الأمر الثاني الذي ينبغي أن يكون واضحاً، وباتضاحه يتَّضح فساد دعوى هؤلاء المُدَّعين. فتأريخ دعوة النبي (ص) يشهد بأنَّ الإرهاب والسيف إنما كان لغة أعداء الإسلام، ولم تكن لغته (ص) أبداً.
الأمر الثالث: ملاحظة معارك النبي (ص):
المعارك التي خاضها كانت كلُّها دفاعية..
هو أنَّ الرسول (ص) وان كان قد حارب، وخاض معارك عديدة، ولكن بمراجعةٍ سريعة لهذه الحروب، سنجد أنها لم يكن منها حربُ هجومٍ أصلاً، بل كانت حروباً دفاعية. وإذا كان رسول الله قد بدأ في بعض المواطن بمعركةٍ فهو من باب المبادرة بالدفاع؛ لأنه يسمع أنَّ قريشاً، أو أنَّ اليهود تستعدُّ لمواجهته. وليس من التعقُّل أن ينتظرهم يُعبِّئون جيوشهم، ثم يستقبلهم بعد أن تهيئوا وأخذوا مواقعهم. أمَّا أنَّه بدأهم بقتال، يبتغي من ورائه إرغامهم على الإسلام فهذا ما لم يقع.
فعندما دخل الرسول (ص) المدينة بدأ بالحوار مع اليهود، وتعاهد معهم، وتواثق معهم على أمور(17)، فنقضوها وتحزَّبوا مع قريش في غزوة الأحزاب، وأحاطوا جميعاً بالمدينة المنوَّرة، ومدُّوا قريشاً بالخيل والرجال والسلاح والعتاد والطعام، فلم يكن بدٌّ من مواجهتهم بعد ذلك لاضعاف شوكتهم(18).
وفي غزوة تبوك، لمَّا أن بلغ النبي (ص) أنَّ الرومان تُعبِّأ جيشاً، قوامه يزيد على المائة ألف؛ من أجل مواجهة هذه الدولة الفتيَّة.. قرَّر رسول الله (ص) أن يُعبِّأ المسلمين في سنة العسرة -وكان المسلمون في ضَنَكٍ من العيش، وكان الجوّ حاراً-، فتعبَّأ الناس، وخرجوا؛ حتى لا تُباغتهم الروم. ولمَّا أن عرف أن الروم قد انصرفت؛ انصرف عنهم ولم يحاربهم، ولو كان غرضه الحرب لكانت تلك فرصةً سانحة لأن يتعقَّبهم.
النتيجة:
إذن، لم يخض رسول الله (ص) قط حرباً هجومية، حتى يُقال أنَّه نشر الإسلام بالسيف والإرهاب. هذا هو الأمر الثالث.
الأمر الرابع: ملاحظة حال أتباع النبي (ص) وجنوده
إنَّ رسول الله وإن كان قد خاض حروباً، إلا أنَّه نسأل : هل كان لرسول الله (ص) جيش مُنظَّم، مُرغم على أنْ يُنفِّذ أوامره؟! هذا إنما يتَّفق لرجلٍ لديه دولة وعنده جيش مُنظَّم، يأمره وينهاه. ولم يكن رسول الله (ص) قد بدأ الدعوة بذلك، بل بدأ بواحدٍ، ثم اثنين، ثم عشرة، ثم مائة، ثم ألف.. هؤلاء كلهم دخلوا عن طريق الإقناع والإيمان، ومنهم وبهم استطاع رسول الله (ص) أن يواجه الآخرين. فلم يكن له من جيشٍ مُنظَّم، حتى يُقال إنَّه أرغمه على مواجهة القوى الأخرى. وإنما الذين آمنوا معه تفانوا فيه، حين عشقوا المبادئ التي جاء بها، وعشقوا الخطّ الذي دعا لسلوكه لذلك بذلوا أرواحهم وأموالهم في سبيل حماية هذا الخط وهذه الدعوة. فهؤلاء الذين تكوَّن منهم جيش الاسلام، لم يكن أحدٌ منهم دخل بالإرهاب، فهؤلاء آمنوا دون حرب.. ثم إنَّ رسول الله استعان بهم على الحرب، وأيّ حرب؟ قلنا إنها حروب الدِّفاع، ولم تكن حروباً للهجوم. هذا هو الأمر الرابع.
الأمر الخامس: ملاحظة حال الذين حاربهم النبي (ص)
نختم الحديث بأمر -ونستميحكم العذر على الإطالة-، وهو:
إنَّ المعيب الذي يستحق الإدانه هو أن يقف النبي (ص) على المستضعفين من الناس، وعلى الذين لا يجدون ما يدفعون به عن أنفسهم، ويُلزمهم بالدخول في الدين. هل يتمكَّن أحدٌ من أن يأتي لنا بحدثٍ واحد تأريخيّ، يُعبِّر عن أن رسول الله (ص) وقف على أحدٍ بسيفه؛ كي يُلزمه بالدخول في الدين؟!
لم يكن الأمر كذلك، بل كان رسول الله يواجه المُستبدِّين، ذوي النفوذ والسطوة كان يواجه الأقوياء -ولم يكن المسلمون أقوى منهم مادياً ولا عسكرياً-.
لا يُقال عن مواجهة قوَّةٍ مع قوّة: أنَّ القوة الأخرى آمنت عن خوفٍ وإرهاب؛ على أنَّ هؤلاء لم يؤمنوا أصلاً. فكلُّ من حاربهم رسول الله، وواجههم، لم يؤمنوا به. بل ظلَّوا عقبةً، وحائلاً بين رسول الله وبين الناس، فهؤلاء كانوا يقفون في طريق الدعوة، ويتوسَّلون بشتى الوسائل المتاحة آنذاك من أجل، أن يقبروا هذه الدعوة ويجهزوا عليها.. اليهود كانوا كذلك، والرومان كانت كذلك، وقريش كانت كذلك، هؤلاء هم الذين حاربهم رسول الله (ص)، فلم يكن في وسعه مجانبتهم ولم يكن من سبيل سوى مواجهتهم بما أُتيح له من قوة. فرسول الله (ص) واجه السلطات والقوى، ولم يواجه المستضعفين. فحينما كان ينتصر، كان يترك الناس واختيارهم، فمن أراد منهم أن يدخل في الدين فليدخل، ومن أراد أن لا يدخل لم يكن رسول الله يُرغمه. فكان شعار الإسلام ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾(19).
الأمر السادس: ملاحظة سرّ بقاء الإسلام
ثم إنَّ هنا أمراً نود أن نشير إليه.. وهو أنَّه لو كان الإسلام قد قام على أساس السيف والإرهاب، فإنه لن يتمكن من البقاء إلى هذا الوقت، خصوصاً وإنَّ الإسلام في مثل هذه المرحلة في موقع الضعف، بل إنَّ الإسلام لم يبق في موقع القوة إلا حُقبةً من الزمن، ثم أصبح في موقع الضعف، فما هو سرُّ بقائه؟!
كل الأُطروحات، وكل الأديان، وكل الأفكار التي قامت على أساس القوة تبخَّرت بمجرَّد أن زالت عنها القوة. ونحن نرى الإسلام يتجدَّد في كل زمن، ويمتدَّ في كلِّ مكان، رغم أنه في موقع الضعف! نحن الآن نُمثِّل أكثر من ثلث العالم، وليس لنا من القوة من شيء، ولا نستطيع أن نذُبَّ عن أنفسنا، والقوة بيد الآخرين. والناس وإن كانت تخضع لقوة الآخرين، إلَّا أنها لا تؤمن بأُطروحاتهم وبأفكارهم.
الإسلام -اليوم- يمتد إلى قلب أوربا، وفي كلِّ القارات، وفي أمريكا، وفي كل مكان، لماذا؟! إذا كان منشأ الإنتشار هو القوة، فينبغي أن لا يبقى للإسلام من يؤمن به؛ لأن الإسلام الآن في موقع الضعف.. وهذا ما يُعبِّر عن أن الإسلام لم تكن وسيلته في النفوذ إلى القلوب القوةَ والسيف، بل كانت وسيلته الإقناع والدليل والبرهان، ولأنَّ البرهان قائم -وسيظلُّ قائماً-، إذن سيظل دين الإسلام ثابتاً، ولن تتمكن كلُّ القوى –مهما تعاظمت وتعسَّفت، ومهما بذلت من جهود- فإنها لن تتمكن من أن تقضي على هذا الدين.
والحمد لله رب العالمين
اتمنى ان يعجبكم الموضوع
ولا تحرمونا من ردود كم المؤمنة الموالية أل ألبيت ومنبع النبوة نـــــــسألكم الـــــــــدعاء خالد الاسدي
__________________
السلام عليك يا أبا عبدالله الحُسينْ
لعن الله امة قتلتك يا سيدي و لعن الله امة سمعت بذلك فرضيت
|