شخصية الخليفة الجديد: يزيد بن معاوية
ولد سنة 25 أو 26 هجرية ولادة ملتبسة 46، ونشأ في البادية متربياً في أحضان أخواله من بني "كلب" ممن كان نصرانياً قبل فتح بلاد الشام، فتأثر بهم في سلوكه وأفكاره، فإذا به ماجن يشرب الخمر ويدمن عليه حتى يترك الصلاة 47، ولع بالصيد 48، شغف بالقرود 49، ملحد في دين الله 50.يستقري الكلاب المهارشة عند التهارش والحمام السُّبَّق لأترابهنَّ والقينات ذات المعازف وضروب الملاهي 51، أو كما نقل ابن كثير اشتهر بالمعازف وشرب الخمر والغناء والصيد واتخاذ الغلمان والقيان والكلاب والنطاح بين الكباش والدباب والقرود، وما من يوم إلا ويصبح فيه مخمور 52، وما عن أنساب الأشراف كان يزيد بن معاوية أول من أظهر الشراب والإستهتار بالغناء، والصيد، واتّخاذ القيان والغلمان، والمتفكِّه بما يضحك منه المترفون من القرود والمعاقرة بالكلاب والديكة.
ومع ذلك فقد كان هوى معاوية في يزيد، إلى الدرجة التي عرّض فيها مستقبل حكم بني أميّة للخطر، فللحفاظ على هذا الملك كان ينبغي أن يرشح داهية آخر يتصنع الإيمان والحكمة والحلم غير يزيد، ولا يرتكب من الحماقات ما يفضحه ويكشفه على حقيقته، ولكن حبه ليزيد وانقياده لهواه فيه أعماه عن هذا القصد، فقال ولولا هواي في يزيد لأبصرت رشدي وعرفت قصدي 53 لذلك حاول أن يستدرك شيئاًً من الضعف في شخصية
يزيد، فأوصاه بوصايا يعلمه فيها كيف يتعامل مع رؤوس معارضيه المحتملين، من أولاد الصحابة:
"فأما عبدالله بن عمر فهو معك فالزمه ولا تدعه 54، وأما الحسين فهو رجل خفيف 55 فقد عرفت حظه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو من لحم رسول الله ودمه، وقد علمت لا محالة أن أهل العراق سيخرجونه إليهم ثم يخذلونه ويضيّعونه، وأرجو أن يكفيكه الله بمن قتل أباه وخذل أخاه، فإن ظفرت به فأعرف حقه ومنزلته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا تؤاخذه بفعله، ومع ذلك فإن لنا به خلطة ورحماً وإياك أن تناله بسوء ويرى منك مكروهاً 56. وأما ابن الزبير فخبٌّ ضبٌّ، فإذا شخَصَ لك فالبد له، إلا أن يلتمس منك صلحاً، فإن فعل فأقبل واحقن دماء قومك ما استطعت" 57.
كان معاوية حريصاً جداًً في هذه الوصية على عناصر المرونة والدهاء التي تضمن استمرار الحكم الأموي، وتبعده عن مهاوي الحماقة والنزق والعجلة. ولكن هل كان معاوية يعتقد بأن يزيد سيطبق هذه الوصية ؟ ألم يخالف عندما طلب منه عدم إظهار التهتك والتستر على شخصيته ؟ 58 ألم يكن يعلم أن يزيداً سوف يقتل الحسين عليه السلام ، وهو المتتبع للأخبار التي كانت تتناقل منذ عصر النبوة، وتقول إن يزيد هو قاتله بيد جيش يقوده عمر بن سعد، بل تصل إلى تحديد المكان والزمان، بل وحتى اسم حامل الرأس الشريف؟ ولكنه مع ذلك كان مصراً على تعيين يزيد ملكاً وهو يعلم أن الإمام الحسين عليه السلام سيبتلى بعد معاوية بمن لا ينظره فواق ناقة، يعني يزيد 59.
لقد كان معاوية يوصي يزيداً باتباع أسلوب الدهاء والمراوغة، ولكن هل كان يقدم معاوية على قتل الإمام الحسين عليه السلام لو خرج عليه، كما قتله يزيد حينما خرج عليه؟
لا إشكال ولا ريب...
إلا أن يقال بأن معاوية أدهى من أن يبتلى علناً وجهاراً بقتل الإمام عليه السلام كما فعل يزيد، بل قد يقتله غيلة وسراًً بالسم أو غيره... ولكن القتل أولاً وآخراً هو الأسلوب الوحيد المتبقي بين يدي الوالد والولد، وهذا ما أكّد عليه يزيد حينما قيل له إن معاوية كان يكره قتل الحسين عليه السلام فقال: " ذلك قبل أن يخرج، ولو خرج على أمير المؤمنين والله قتله إن قدر" 60.
إذن فالوصية المذكورة من معاوية لابنه لا تتعدى سقف الوصية بأسلوب الدهاء والمرونة والمراوغة كسياسة عامة مع الخصوم... وأما أصل القتل والتنكيل فينبغي أن يكون بحيث لا يصيب الدولة الأموية منه ضرر... أي سرّاً وخفية يقوم به جنود من عسل مثلاً.
هوامش
1- الطبري، ج2، ص4، قابل المسعودي، ج5، ص14.
2- خليفة بن خياط، ج1، ص234، الطبري، ج6، ص94. ابن الأثير الكامل، ج3، ص406.
3- تاريخ الخلفاء ص 71.
4- شرح نهج البلاغة ج4ص16.
5- السيوطي، تاريخ الخلفاء، ص199.
6- الحصني، منتخبات التواريخ لدمشق، ص81.
7- البلاذري، أنساب الأشراف، ج2، ص147.
8- ولقد التبس الأمر على مؤرخي العرب فخلطوا بين هذا الرجل وبين سرجون ابنه. راجع الطبري، ج2، ص205، 228، 239، المسعودي، التنبيه، ص02، 306، 307، 312.
9- لقد أصبحت ولاية المال في الإسلام أهم الوظائف بعد قيادة الجيش.
10- ابن عساكر، ج5، ص80.
11- اليعقوبي، ج2، ص265.
12- البلاذري، أنساب، ج1، ص147.
13- ابن خلدون، المقدمة، ص169، وما يلي، اليعقوبي، ج2، ص257.
14- اليعقوبي، ج2، ص265، الدينوري، ص229، الطبري، ج2، ص70.
15- ابن العبري، ص188.
16- ابن خلدون، المقدمة، ص217، القلقشندي، صبح الأعشىالقاهرة، 1913- 18 ج4، ص6.
17- البلاذري، أنساب، ج1، ص147.
18- راجع التذكرة الحمدونية لابن حمدون الأندلسي، ص198- 139. الحصني، منتخبات التواريخ لدمشق، ص80.
19- اليعقوبي، تاريخ ج8، ص223، البلاذري، أنساب الأشراف، ج1، ص147.
20- المسعودي، مروج الذهب، ج3، ص86.
21- ابن الأثير، الكامل، ج3، ص149.
22- ابن الأثير، أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج3، ص35.
23- العقد الفريد ج4 ص259.
24- وقعة صفين لنصر بن مزاحم 495، شرح نهج البلاغة ج2 ص293.
25- تاريخ الطبري، ج 5، ص 242.
26- العقد الفريد ج2 ص260.
27- مسند أحمد ابن حنبل ج5 ص347.
28- سنن النسائي ج7 ص279.
29- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 4، ص 73.
30- شرح نهج البلاغة ج4، ص259.
31- تطهير الجنان، ص12.
32- تطهير الجنان، ص13.
33- شرح نهج البلاغة ج3 ص361.
34- شرح أصول الكافي للمازندراني: 11 ص 293، البحار: 33 ص 214، شرح النهج: 2 ص 102.
35- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة ج 2 ص 86.
36- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة ج 11 ص 45.
37- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة ج 11 ص 45.
38- ابن أبي الحديد شرح نهج البلاغة ج 11، ص 43.
39- الإستيعاب، ج1، ص391، دار الجيل – بيروت، والإمامة والسياسة، ج1، ص173-174.
40- الكامل في التاريخ، ج3، ص503-504.
41- الكامل في التاريخ، ج3، ص506.
42- الإمامة والسياسة، ج1، ص176-177.
43- الإمامة والسياسة، ج1، ص182-183.77
44- الفتوح لإبن الأعثم، ج4، ص343.
45- الفتوح لإبن الأعثم، ج4، ص339، والإمامة والسياسة، ص185-190.
46- بحار الأنوار ج 44 ص 309
47- تاريخ ابن عساكر ج 7 ص 372. وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص 81، البداية والنهاية ج8 ص216، الكامل لابن الاثير،ج4،ص45، مروج الذهب ج2ص59.
48- الفخري لابن الطقطقي ص45. تاريخ اليعقوبي ج2 ص230. تاريخ الأمم والملوك ج4 ص368.البداية والنهاية ج8 ص 236-239.
49- جواهر المطالب 143. أنساب الأشراف ج 2 ص 2.
50- البداية ولنهاية ج8 ص192، مروج الذهب ومعادن الجوهر ج2 ص95.
51- الإمامة والسياسة، ج1، ص187.
52- البداية والنهاية، ج2، ص258.
53- الفتوح لإبن الأعثم، ج4، ص344، والبداية والنهاية، ج8، ص126.
54- أمالي الصدوق، ص129، المجلس الثلاثون ح1.
55- الطبري، ج4، ص238-239.
56- أمالي الصدوق، 129، المجلس الثلاثون، ح1.
57- تاريخ الأمم والملوك، ج4، ص238-239. الشيخ الصدوق، في أماليه 129ن المجلس 30،ح1.
58- تاريخ اليعقوبي، ج2، ص220.
59- شرح نهج البلاغة، ج18، ص327.
60- مقتل الحسين عليه السلام، الخوارزمي ص59-60.
تاريخ النهضة الحسينية
جمعية المعارف الاسلامية الثقافية