رد: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ
يقول السيد الطبطبائي ( قد ) :
قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) التوبة - 120 ، والحصر في قوله أولئك الذين صدقوا ، يؤكد التعريف وبيان الحد ، والمعنى - والله أعلم - إذا أردت الذين صدقوا فأولئك هم الأبرار . وأما ما عرفهم به ثالثا بقوله : وأولئك هم المتقون ، الحصر لبيان الكمال فان البر والصدق لو لم يتما لم يتم التقوى . والذي بينه تعالى في هذه الآية من الأوصاف الأبرار هي التي ذكرها في غيرها . قال تعالى : ( إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا . عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا . ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا . إنما نطعمكم لوجه الله - إلى أن قال - وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ) الدهر - 12 ، فقد ذكر فيها الإيمان بالله واليوم الآخر والإنفاق لوجه الله والوفاء بالعهد والصبر ، وقال تعالى أيضا : ( كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين وما أدريك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون . إن الأبرار لفي نعيم - إلى أن قال - يسقون من رحيق مختوم - إلى أن قال - عينا يشرب بها المقربون ) المطففين - 28 ، بالتطبيق بين هذه الآيات والآيات السابقة عليها يظهر حقيقة وصفهم ومآل أمرهم إذا تدبرت فيها ، وقد وصفتهم الآيات بأنهم عباد الله وأنهم المقربون ، وقد وصف الله سبحانه عباده فيما وصف بقوله : ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ) الحجر - 42 ، ووصف المقربين بقوله : ( والسابقون السابقون . أولئك المقربون في جنات النعيم ) الواقعة - 12 ، فهؤلاء هم السابقون في الدنيا إلى ربهم السابقون في الآخرة إلى نعيمه ، ولو أدمت البحث عن حالهم فيما تعطيه الآيات لوجدت عجبا . وقد بان مما مر أن الأبرار أهل المرتبة العالية من الإيمان ، وهي المرتبة الرابعة على ما مر بيانه سابقا ، قال تعالى : ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ) الأنعام - 82 .[8]
الآية قالت الذين امنوا لم يلبسوا إيمانهم بظلم وحيث أن الظلم فيه ظلم كبير وظلم صغير وهي معاصي صغيرة ومعاصي كبيرة حيث أنهم لم يلبسوا بأي معصية .
إن الآية قالت والآية بينت من هم الأبرار وهم الذين امنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أي الذين لم يلبسوا أعمالهم بمعصية .
والآية تقول الصديق والصادق في عرض الأنبياء والمرسلين .
{وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً }[9] .
يقول السيد الطبطبائي ( قد ) :
وأما الصديقون فالذي يدل عليه لفظه هو أنه مبالغة من الصدق ومن الصدق ما هو في القول ومنه ما هو في الفعل وصدق الفعل هو مطابقته للقول لأنه حاك عن الاعتقاد فإذا صدق في حكايته كان حاكيا لما في الضمير من غير تخلف وصدق القول مطابقته لما في الواقع وحيث كان القول نفسه من الفعل بوجه كان الصادق في فعله لا يخبر إلا عما يعلم صدقه وأنه حق ففي قوله الصدق الخبري والمخبري جميعا . ‹ صفحة 408 › فالصديق الذي لا يكذب أصلا هو الذي لا يفعل إلا ما يراه حقا من غير إتباع لهوى النفس ولا يقول إلا ما يرى أنه حق ولا يرى شيئا إلا ما هو حق فهو يشاهد حقائق الأشياء ويقول الحق ويفعل الحق .[10]
والقرآن الكريم يبين انه هناك صالح في العمل وصالح في الذات وصلاح في النفس .
يقول السيد الطبطبائي ( قد ) :
قوله تعالى : وإنه في الآخرة لمن الصالحين ، الصلاح ، وهو اللياقة بوجه ربما نسب في كلامه إلى عمل الإنسان وربما نسب إلى نفسه وذاته ، قال تعالى : فليعمل عملا صالحا ) الكهف - 110 ، وقال تعالى : ( وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ) النور - 32 . وصلاح العمل وإن لم يرد به تفسير بين من كلامه تعالى غير أنه نسب إليه من الآثار ما يتضح به معناه . فمنها : أنه صالح لوجه الله ، قال تعالى : ( صبروا ابتغاء وجه ربهم ) الرعد - 22 ، وقال تعالى : ( وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله ) البقرة - 272 . ومنها : أنه صالح لان يثاب عليه ، قال تعالى : ( ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ) القصص - 80 . ومنها : أنه يرفع الكلم الطيب الصاعد إلى الله سبحانه قال تعالى : ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) فاطر - 10 ، فيستفاد من هذه الآثار المنسوبة ‹ صفحة 304 › إليه : أن صلاح العمل معنى تهيؤه ولياقته لان يلبس لباس الكرامة ويكون عونا وممدا لصعود الكلام الطيب إليه تعالى ، قال تعالى : ( ولكن يناله التقوى منكم ) الحج - 37 ، وقال تعالى : ( وكلا نمد هؤلاء ، وهؤلاء من عطاء ربك ، وما كان عطاء ربك محظورا ) الإسراء - 20 ، فعطائه تعالى بمنزلة الصورة ، وصلاح العمل بمنزله المادة . وأما صلاح النفس والذات فقد قال تعالى : ( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين ، والصديقين ، والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا ) النساء - 69 ، وقال تعالى : ( وأدخلناهم في رحمتنا انهم من الصالحين ) الأنبياء - 86 ، وقال تعالى حكاية عن سليمان : ( وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين ) النمل - 19 ، وقال تعالى : ولوطا آتيناه حكما وعلما إلى قوله وأدخلناه في رحمتنا إنه الصالحين ) الأنبياء - 75 ، وليس المراد الصلاح لمطلق الرحمة العامة الإلهية الواسعة لكل شيء ولا الخاصة بالمؤمنين على ما يفيده قوله تعالى : ( ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ) الأعراف - 156 ، إذ هؤلاء القوم وهم الصالحون ، طائفة خاصة من المؤمنين المتقين ، ومن الرحمة ما يختص ببعض دون بعض ، قال تعالى ( يختص برحمته من يشاء ) البقرة - 105 ، وليس المراد أيضا مطلق كرامة الولاية ، وهو تولي الحق سبحانه أمر عبده ، فإن الصالحين وإن شرفوا بذلك وكانوا من الأولياء المكرمين على ما بيناه سابقا في قوله تعالى : ( اهدنا الصراط المستقيم ) فاتحة الكتاب - 6 وسيجيء في تفسير الآية لكن هذه أعني الولاية صفة مشتركة بينهم وبين النبيين ، والصديقين ، والشهداء فلا يستقيم إذن عدهم طائفة خاصة في قبالهم .[11]
وقد يكون الإنسان عمل الصالحات ولكن ليس له صلاح وذلك القرآن يقول " الذين امنوا وعملوا الصالحات " والقرآن يميز بين الذين عملوا الصالحات والصالحين فلذلك ميز بين الذين عملوا الصالحات وبين الذين امنوا وعملوا الصالحات فهؤلاء مصداق لهذه الآية المباركة {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ }[12]
وأما الصالحون القرآن يعبر عنهم " والصديقين والشهداء والصالحين " هؤلاء لا يعبر عنهم الذين امنوا وعملوا الصالحات فيقول " وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ }النمل19 " ولم يقل من الصالحين إنما في الصالحين .
{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ }[13]
يقول السيد الطبطبائي ( قد ) :
ثم إنك إذا تأملت حال إبراهيم ومكانته في أنه كان نبيا مرسلا وأحد أولي العزم من الأنبياء ، وأنه إمام ، وأنه مقتدى عدة ممن بعده من الأنبياء والمرسلين وأنه من الصالحين بنص قوله تعالى : ( وكلا جعلنا صالحين ) الأنبياء - 72 ، الظاهر في الصلاح المعجل على أن من هو دونه في الفضل من الأنبياء أكرم بهذا الصلاح المعجل وهو ( ع ) مع ذلك كله يسأل اللحوق بالصالحين الظاهر في أن هناك قوما من الصالحين سبقوه وهو يسال اللحوق بهم فيما سبقوه إليه ، وأجيب بذلك في الآخرة كما يحكيه الله تعالى في ثلاثة مواضع من كلامه حيث قال تعالى : ( ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين ) البقرة - 130 ، وقال تعالى : وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين ) العنكبوت - 27 ، وقال تعالى : ( وآتيناه في الدنيا حسنة وأنه في الآخرة لمن الصالحين ) النحل - 122 ، فإذا تأملت ذلك حق التأمل قضيت بأن الصلاح ذو مراتب بعضها فوق بعض ولم تستبعد لو قرع سمعك أن إبراهيم ( ع ) سأل اللحوق بمحمد ( ص ) وآله الطاهرين ( ع ) فأجيب إلى ذلك في الآخرة لا في الدنيا فإنه ( ع ) يسأل اللحوق بالصالحين ومحمد ( ص ) يدعيه لنفسه . قال تعالى : ( قل إن ولي الله الذي نزل الكتاب بالحق وهو يتولى الصالحين ) الأعراف - 196 فإن ظاهر الآية أن رسول الله ( ص ) يدعي لنفسه الولاية فالظاهر منه أن رسول الله ( ص ) هو المتحقق بالصلاح الذي يدعيه بموجب الآية لنفسه وإبراهيم كان يسأل الله اللحوق بعده من الصالحين يسبقونه في الصلاح فهو هو .[14]
العودة للفهرس [1] الزخرف69
[2] البقرة 208
[3] البقرة177
[4]الإنسان 5-8 .
[5] الإسراء65
[6] العنكبوت69
[7]الإنسان 6 – 12 .
[8] تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج 1 - ص 430
[9] النساء69
[10] تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج 4 - ص 407 - 408
[11] تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج 1 - ص 303 - 304
[12] فاطر10 .
[13] يوسف101 .
[14] تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج 1 - ص 305
__________________
السلام عليك يا أبا عبدالله الحُسينْ
لعن الله امة قتلتك يا سيدي و لعن الله امة سمعت بذلك فرضيت
|