رد: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ
الجزء الثاني
ما هي المعية التي تكلمت عنها الآية " كونوا مع الصادقين " ؟
توجد عندنا معيتان في الآية :
·الأولى : المعية الجسمية وان الله عندما أمر في المعية قال " يأيها الذين امنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " المراد من المعية هي المعية الجسمية .
·الثانية : المعية التبعية وهي التبعية في الأقوال والتبعية في الاعتقادات والتبعية في السلوك وبعبارة أخرى أن يجعل الصادقين قدوة للنفس .
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }[1]
وقال عز وجل {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }[2] هنا في الآيتين القدوة والمعية هي المعية التبعية .
إن الآية أمرت بالإتباع والمعية المطلقة للصادقين. والتبعية والإتباع والمعية المطلقة للصادقين لا يمكن إن ينسجم مع كون الصادقين قد يخطئون أو قد يسهون وقد يتعمدون الكذب , حيث في الآية الله أمر الذين امنوا أن يتبعوا وبان يكونوا مع الصادقين مطلقا لا مع الصادقين إذا صدقوا .
ومن وجوب المعية المطلقة نستكشف أن الصادقين لا يخطأون .
العودة للفهرس [1] الأحزاب21 .
[2] آل عمران
31
الفخر الرازي من المصرين على أن هذه الآية دالة دلالة جازمة على عصمة الصادقين :
والجواب عن الأول:
إن قوله (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) أمر بموافقة الصادقين، ونهي عن مفارقتهم، وذلك مشروط بوجود الصادقين. وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. فدلّت هذه الآية على وجود الصادقين. وقوله: إنه محمول على أن يكونوا على طريقة الصادقين، فنقول: إنه عدول عن الظاهر من غير دليل.
قوله: هذا الأمر مختص بزمان رسول الله عليه الصلاة والسلام
قلنا: هذا باطل لوجوه:
·الأول: أنه ثبت بالتواتر الظاهر من دين محمد (عليه الصلاة والسلام) أن التكاليف المذكورة في القرآن متوجهة إلى المكلفين إلى قيام القيامة، فكان الأمر في هذا التكليف كذلك.
·الثاني: أن الصيغة تتناول الأوقات كلها بدليل صحة الاستثناء.
·الثالث: لما لم يكن الوقت المعيَّن مذكوراً في لفظ الآية، لم يكن حمل الآية على البعض أولى من حمله على الباقي، فإما أن لا يحمل على شيء من الأوقات، فيفضي إلى التعطيل وهو باطل، أو على الكلّ وهو المطلوب.
·الرابع: وهو أن قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ) أمر لهم بالتقوى، وهذا الأمر إنما يتناول من يصحّ منه أن لا يكون متقياً، وإنما يكون كذلك لو كان جائز الخطأ فكانت الآية دالة على أنّ من كان جائز الخطأ، وجب كونه مقتدياً بمن كان واجب العصمة، وهم الذين حكم الله بكونهم صادقين. فهذا يدلّ على أنه واجب على جائز الخطأ، كونه مع المعصوم عن الخطأ، حتى يكون المعصوم عن الخطأ مانعاً لجائز الخطأ عن الخطأ. وهذا المعنى قائم في جميع الأزمان، فوجب حصوله في كل الأزمان).[1]
إذن لابد أن يكونوا صادقين على كل المستويات على مستوى الاعتقاد والأخلاق والأعمال ولو لم يكن الأمر كذلك لكان هناك اشتباه أو أخطا في الاعتقاد فانه يلازمه اشتباه وخطا في العمل والسلوك الخارجي فإن الأعمال ناشئة عن الملكات والملكات إنما توجد على أساس الاعتقادات فإذا كان هناك اعتقاد باطل ولو على نحو السهو والنسيان فينبغي إتباعهم في العمل والسلوك الخارجي حيث إن الآية المباركة أطلقت الوجوب بالأمر مع الصادقين نستكشف إن هؤلاء الصادقين لا يخطأون ولا ينسون ولا يشتبهون وعلى مختلف هذه المستويات .
ووجوب الأمر بالكون مع الصادقين مطلق وهذا لم ينسجم إلا مع كون فرض أنهم لا يخطأون وهم من المعصومين .
وهذا ما صرح به الفخر الرازي أن الآية المباركة توصلنا إلى الصادقين لابد إن يكونوا معصومين وهذا يستوجب أن الوجوب بالمعية مع المعصوم مخالف للخطأ فيلزم عصمتهم.
العودة للفهرس [1] التفسير الكبير للفخر الرازي ج16 ص175 ط دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الأولى 1421هـ - 2000م .
__________________
السلام عليك يا أبا عبدالله الحُسينْ
لعن الله امة قتلتك يا سيدي و لعن الله امة سمعت بذلك فرضيت
|