الطريبيلي
01-07-2011, 03:11 PM
الاَمن من الضرر
إنّ مهمة الدعوة الاِسلامية المتجسدة بالاَمر
____________
1) الكافي 5 : 60 .
2) الكافي 5 : 60 .
3) الكامل في التاريخ 3 : 165 ـ 166 .
===============
بالمعروف والنهي عن المنكر دعوة شاقة تواجه اصنافاً من الناس يختلفون في الاستجابة ، فمنهم من يتفاعل معها ليغيّر مفاهيمه وقيمه وممارساته في ضوء ما يؤمر به ويُنهى عنه ، ومنهم من تصدّه شهواته ونوازعه عنها ، فيعرض عنها معانداً لا ينفتح قلبه لدلائل الهدى ، مصراً على انحرافه الفكري والعقائدي يقابل الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بسخرية واستهزاء أو بالاعراض وعدم الاستماع .
ومنهم من يترقى به العناد والغرور والكبرياء إلى المواجهة العنيفة ، ويعمل على الحاق الاذى بالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ، وقد يصل الاذى إلى مرحلة الجرح أو التعويق أو القتل ، ففي مثل هذه الحالة فان الاِنسان يسقط عنه وجوب الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ لاَنّه مشروط بالاَمن من الضرر سواء على نفسه أو على غيره .
قال الامام الصادق (عليه السلام) : « والاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان على من أمكنه ذلك ، ولم يخف على نفسه ولا على أصحابه » (1).
وكتب الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) للمأمون حينما سأله أن يكتب له محض الاِسلام : « ... والاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان اذا امكن ، ولم يكن خيفة على النفس... » (2).
والضرر المقصود يحدّد من قبل المكلّف نفسه بعد تشخيصه للمصلحة والمفسدة المترتبة على قيامه بالتكليف أو عدمه ، فيقدّم أهون الضررين .
____________
1) الخصال 2 : 609 .
2) عيون أخبار الرضا 2 : 121 ، 125 .
===============
والضرر لا يتحدد بوقت من الاوقات ، قال الشيخ الطوسي : ـ في ذكره لشروط الوجوب ـ : (... وعلم أنّه لا يؤدّي إلى ضررٍ عليه ولا على أحد من المؤمنين لا في الحال ولا في مستقبل الاوقات) (1).
شروط الترك :
شُرِّع الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر لهداية الناس وارشادهم ، وتغيير المحتوى الداخلي للنفس البشرية وما تحمل من أفكار ومشاعر ؛ لتكون حاكمة على الممارسات العملية من سلوك صالح واخلاق فاضلة وعلاقات حسنة .
والغاية منهما تخليص النفوس من ظلمات الاوهام والانحرافات العقائدية ، وتحريرها من ربقة الشهوات ؛ لتنتصر على الهوى وتتغلب على الشهوة ، عن طريق استحثاث الطاقة الكامنة في كيان الانسان ، وانماء القدرات الممكنة النماء .
كلّ ذلك يتم عن طريق الانذار والايقاظ بالحجة والبرهان والترغيب بالاستقامة والسمو والتكامل ، فإذا أغلق الاِنسان منافذ الهداية في كيانه ، ورفض الاستماع أو التلقي غروراً وكبراً ، ولم يستجب للموعظة المراد منها تطهير القلب وتزكية النفس وتحسين الاخلاق ، أو آنس بواقعه العقائدي والسلوكي ، أو كان جاهلاً بما يصلحه جهلاً مركباً مطبقاً على كيانه ، فإذا لم توقظه موحيات الايمان وموجبات الهداية ، ورفضت نفسه الوضيعة السمو إلى الكمال ، فانّ المواعظ والارشادات المصحوبة بعدم الاستجابة ستكون اضاعة للوقت ، وصرفاً للجهد في غير محلّه .
____________
1) النهاية : 299 .
===============
وفي هذه الحالة فإنّ الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر سيكون مخيّراً بين الاستمرار في اداء مسؤوليته ، وبين تركها من تحين الفرص المناسبة لها .
ويمكن تحديد شروط ترك الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالنقاط التالية :
أولاً : تجذّر الانحراف : إذا تجذّر الانحراف وأصبح جزءاً من كيان الاِنسان ، ويئس المكلّف من اصلاحه وتغييره ، فيجوز له ترك الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ لانّه لا يغيّر من الواقع شيئاً ، بل قد يؤدي إلى نتائج سلبية على المكلّف نفسه .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : « ائتمروا بالمعروف ، وتناهوا عن المنكر ، حتى اذا رأيت شُحّاً مطاعاً ، وهوىً مُتّبعاً ، ودنياً مؤثرة ، واعجاب كلّ ذي رأي برأيه ، ورأيت أمراً لا يدان لك به ، فعليك خويصة نفسك ، فإنّ من ورائكم أيام الصبر . الصبر فيهنَّ على مثل قبض على الجمر . للعامل فيهنَّ مثل أجر خمسين رجلاً يعملون بمثل عمله » (1).
ثانياً : انحراف الاَكابر : من طبيعة النفس البشرية أنّها تذعن وتخضع للاَكابر والمتنفذين وتقتبس المفاهيم والقيم من الشخصيات البارزة في المجتمع ، والمؤثرة فيه ؛ لامتلاكها خصائص التأثير الذاتية والعملية ، كالملوك والعلماء ورؤساء القبائل والوجودات الاجتماعية ، فإذا انحرف هؤلاء انحرف المجتمع ، وهذه حقيقة ثابتة في جميع المجتمعات .
____________
1 ) سنن ابن ماجة 2 : 1331 / 4014 .
===============
ففي مثل هذه الحالة يتفشى الانحراف ويستشري ويصعب اصلاحه وتغييره ، ولا يكون للاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر أي تأثير في العقول والنفوس .
وفي مثل هذا الظرف يكون الواجب على كلِّ مؤمن عالمٍ بالمعروف والمنكر أن يحافظ على نفسه بأن يروّضها بالعمل بالمعروف والترك للمنكر حتى لا يؤثّر فيه الجو العام في المجتمع ، وأن يحافظ أيضاً على أهله وذويه ومن يهمّه أمره الذين ينصاعون لاَوامره ونواهيه ، صوناً لهم من الانحراف والانجراف .
ثالثاً : وقوع الفتن : حينما تكون الاهواء حاكمة على الافكار والمواقف دون الرجوع إلى الاُسس الثابتة للمنهج الاسلامي ، وحينما تبتدع الاحكام المخالفة لكتاب الله تعالى ، ويتحكم التعصب بولاء الانسان والمجتمع بعيداً عن أسس الولاء التي حددتها الشريعة الاِسلامية ؛ فان الفتن ستكون هي الظاهرة القائمة المتفشية في المجتمع الاسلامي ، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : « إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تُتَّبع ، وأحكام تُبتدع ، يُخالف فيها كتاب الله ، ويتولى عليها رجالٌ رجالاً ، على غير دين الله... » (1).
وإذا وقعت الفتن فسيعيش المجتمع ظاهرة الاضطراب الفكري والنفسي والسلوكي بتبادل النظرة السلبية ، والموقف المتشنج ، ويدخل في صراع دائم مستمر بتبادل الاتهامات ودفعها ، ويصبح النبز بالكفر والانحراف والفسق هو الحاكم على العلاقات دون الاستناد إلى الاُصول الواضحة للمنهج الاِسلامي .
____________
1) نهج البلاغة : 88 ، الخطبة / 50 .
ويدفع التعصب أفراد المجتمع إلى اتخاذ المواقف تبعاً للمتعصّبين له، ويختلط الحق بالباطل ، وتلتبس المفاهيم والقيم على الناس ، فيندفعون دون روية ودون بحث عن الحقيقة أو رغبة في المعرفة ، ويتخلل اندفاعهم جدال لا ينتهي إلى شيء ، تصحبه المواقف المتشنجة من اتهامات وتعيير وتحقير ، فتعمى بصائر المتعصّبين وتنغلق منافذ الهدى في عقولهم ونفوسهم ومواقفهم ، ففي مثل هذه الحالة لا تنفع معهم المواعظ والارشادات والنصائح ، ولا يدركون الخطر المحدق بهم ، بل يحسبون انهم يحسنون صنعاً ، فاذا أغلقوا قلوبهم وانفصلوا عن مصدر الاشعاع الفكري والسلوكي ، فلا يجب على المكلفين حينئذٍ القيام بدورهم في الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهم يرون المجتمع يعيش في غبش الاوهام وضباب الاهواء ، واضطراب الولاء القائم على اساس التعصب للاشخاص .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : « ستكون فتن لا يستطيع المؤمن أن يغيّر فيها بيد ولا لسان » ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : « وفيهم يومئذٍ مؤمنون » ، قال : نعم .
قال (عليه السلام) : « فينقص ذلك من ايمانهم شيئاً ؟ » .
قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : « لا ، الاّ كما ينقص القطر من الصفا ، أنهم يكرهونه بقلوبهم » (1) .
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : « إذا رأيت الناس قد مرجت عهودهم ، وخفت أماناتهم ، وكانوا هكذا ـ وشبك بين أنامله ـ فالزم
____________
1) مستدرك الوسائل 12 : 19 .
بيتك ، وأملك عليك لسانك ، وخذ ما تعرف ودع ما تنكر ، وعليك بخاصة أمر نفسك ، ودع عنك أمر العامّة » (1).
والفتن المقصودة هي التي تقع بين أهل الضلال ، وإلاّ فالذي يقع بين أهل الحق وأهل الباطل لا يسمى فتنة بالمعنى الحقيقي ؛ لاَنّ الموقف واضح لا شبهة فيه ، ويستطيع الاِنسان ان يشخّص موقفه من الرجال ومن الوجودات ومن الاحداث ، ويجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لارجاع المخالفين إلى المنهج السليم والموقف الصحيح .
من كتاب الأمرُ بالمعَروُفِ والنَّهيُ عَن المُنكَرِ
مركز الرسالة
إنّ مهمة الدعوة الاِسلامية المتجسدة بالاَمر
____________
1) الكافي 5 : 60 .
2) الكافي 5 : 60 .
3) الكامل في التاريخ 3 : 165 ـ 166 .
===============
بالمعروف والنهي عن المنكر دعوة شاقة تواجه اصنافاً من الناس يختلفون في الاستجابة ، فمنهم من يتفاعل معها ليغيّر مفاهيمه وقيمه وممارساته في ضوء ما يؤمر به ويُنهى عنه ، ومنهم من تصدّه شهواته ونوازعه عنها ، فيعرض عنها معانداً لا ينفتح قلبه لدلائل الهدى ، مصراً على انحرافه الفكري والعقائدي يقابل الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بسخرية واستهزاء أو بالاعراض وعدم الاستماع .
ومنهم من يترقى به العناد والغرور والكبرياء إلى المواجهة العنيفة ، ويعمل على الحاق الاذى بالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ، وقد يصل الاذى إلى مرحلة الجرح أو التعويق أو القتل ، ففي مثل هذه الحالة فان الاِنسان يسقط عنه وجوب الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ لاَنّه مشروط بالاَمن من الضرر سواء على نفسه أو على غيره .
قال الامام الصادق (عليه السلام) : « والاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان على من أمكنه ذلك ، ولم يخف على نفسه ولا على أصحابه » (1).
وكتب الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) للمأمون حينما سأله أن يكتب له محض الاِسلام : « ... والاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان اذا امكن ، ولم يكن خيفة على النفس... » (2).
والضرر المقصود يحدّد من قبل المكلّف نفسه بعد تشخيصه للمصلحة والمفسدة المترتبة على قيامه بالتكليف أو عدمه ، فيقدّم أهون الضررين .
____________
1) الخصال 2 : 609 .
2) عيون أخبار الرضا 2 : 121 ، 125 .
===============
والضرر لا يتحدد بوقت من الاوقات ، قال الشيخ الطوسي : ـ في ذكره لشروط الوجوب ـ : (... وعلم أنّه لا يؤدّي إلى ضررٍ عليه ولا على أحد من المؤمنين لا في الحال ولا في مستقبل الاوقات) (1).
شروط الترك :
شُرِّع الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر لهداية الناس وارشادهم ، وتغيير المحتوى الداخلي للنفس البشرية وما تحمل من أفكار ومشاعر ؛ لتكون حاكمة على الممارسات العملية من سلوك صالح واخلاق فاضلة وعلاقات حسنة .
والغاية منهما تخليص النفوس من ظلمات الاوهام والانحرافات العقائدية ، وتحريرها من ربقة الشهوات ؛ لتنتصر على الهوى وتتغلب على الشهوة ، عن طريق استحثاث الطاقة الكامنة في كيان الانسان ، وانماء القدرات الممكنة النماء .
كلّ ذلك يتم عن طريق الانذار والايقاظ بالحجة والبرهان والترغيب بالاستقامة والسمو والتكامل ، فإذا أغلق الاِنسان منافذ الهداية في كيانه ، ورفض الاستماع أو التلقي غروراً وكبراً ، ولم يستجب للموعظة المراد منها تطهير القلب وتزكية النفس وتحسين الاخلاق ، أو آنس بواقعه العقائدي والسلوكي ، أو كان جاهلاً بما يصلحه جهلاً مركباً مطبقاً على كيانه ، فإذا لم توقظه موحيات الايمان وموجبات الهداية ، ورفضت نفسه الوضيعة السمو إلى الكمال ، فانّ المواعظ والارشادات المصحوبة بعدم الاستجابة ستكون اضاعة للوقت ، وصرفاً للجهد في غير محلّه .
____________
1) النهاية : 299 .
===============
وفي هذه الحالة فإنّ الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر سيكون مخيّراً بين الاستمرار في اداء مسؤوليته ، وبين تركها من تحين الفرص المناسبة لها .
ويمكن تحديد شروط ترك الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالنقاط التالية :
أولاً : تجذّر الانحراف : إذا تجذّر الانحراف وأصبح جزءاً من كيان الاِنسان ، ويئس المكلّف من اصلاحه وتغييره ، فيجوز له ترك الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ لانّه لا يغيّر من الواقع شيئاً ، بل قد يؤدي إلى نتائج سلبية على المكلّف نفسه .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : « ائتمروا بالمعروف ، وتناهوا عن المنكر ، حتى اذا رأيت شُحّاً مطاعاً ، وهوىً مُتّبعاً ، ودنياً مؤثرة ، واعجاب كلّ ذي رأي برأيه ، ورأيت أمراً لا يدان لك به ، فعليك خويصة نفسك ، فإنّ من ورائكم أيام الصبر . الصبر فيهنَّ على مثل قبض على الجمر . للعامل فيهنَّ مثل أجر خمسين رجلاً يعملون بمثل عمله » (1).
ثانياً : انحراف الاَكابر : من طبيعة النفس البشرية أنّها تذعن وتخضع للاَكابر والمتنفذين وتقتبس المفاهيم والقيم من الشخصيات البارزة في المجتمع ، والمؤثرة فيه ؛ لامتلاكها خصائص التأثير الذاتية والعملية ، كالملوك والعلماء ورؤساء القبائل والوجودات الاجتماعية ، فإذا انحرف هؤلاء انحرف المجتمع ، وهذه حقيقة ثابتة في جميع المجتمعات .
____________
1 ) سنن ابن ماجة 2 : 1331 / 4014 .
===============
ففي مثل هذه الحالة يتفشى الانحراف ويستشري ويصعب اصلاحه وتغييره ، ولا يكون للاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر أي تأثير في العقول والنفوس .
وفي مثل هذا الظرف يكون الواجب على كلِّ مؤمن عالمٍ بالمعروف والمنكر أن يحافظ على نفسه بأن يروّضها بالعمل بالمعروف والترك للمنكر حتى لا يؤثّر فيه الجو العام في المجتمع ، وأن يحافظ أيضاً على أهله وذويه ومن يهمّه أمره الذين ينصاعون لاَوامره ونواهيه ، صوناً لهم من الانحراف والانجراف .
ثالثاً : وقوع الفتن : حينما تكون الاهواء حاكمة على الافكار والمواقف دون الرجوع إلى الاُسس الثابتة للمنهج الاسلامي ، وحينما تبتدع الاحكام المخالفة لكتاب الله تعالى ، ويتحكم التعصب بولاء الانسان والمجتمع بعيداً عن أسس الولاء التي حددتها الشريعة الاِسلامية ؛ فان الفتن ستكون هي الظاهرة القائمة المتفشية في المجتمع الاسلامي ، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : « إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تُتَّبع ، وأحكام تُبتدع ، يُخالف فيها كتاب الله ، ويتولى عليها رجالٌ رجالاً ، على غير دين الله... » (1).
وإذا وقعت الفتن فسيعيش المجتمع ظاهرة الاضطراب الفكري والنفسي والسلوكي بتبادل النظرة السلبية ، والموقف المتشنج ، ويدخل في صراع دائم مستمر بتبادل الاتهامات ودفعها ، ويصبح النبز بالكفر والانحراف والفسق هو الحاكم على العلاقات دون الاستناد إلى الاُصول الواضحة للمنهج الاِسلامي .
____________
1) نهج البلاغة : 88 ، الخطبة / 50 .
ويدفع التعصب أفراد المجتمع إلى اتخاذ المواقف تبعاً للمتعصّبين له، ويختلط الحق بالباطل ، وتلتبس المفاهيم والقيم على الناس ، فيندفعون دون روية ودون بحث عن الحقيقة أو رغبة في المعرفة ، ويتخلل اندفاعهم جدال لا ينتهي إلى شيء ، تصحبه المواقف المتشنجة من اتهامات وتعيير وتحقير ، فتعمى بصائر المتعصّبين وتنغلق منافذ الهدى في عقولهم ونفوسهم ومواقفهم ، ففي مثل هذه الحالة لا تنفع معهم المواعظ والارشادات والنصائح ، ولا يدركون الخطر المحدق بهم ، بل يحسبون انهم يحسنون صنعاً ، فاذا أغلقوا قلوبهم وانفصلوا عن مصدر الاشعاع الفكري والسلوكي ، فلا يجب على المكلفين حينئذٍ القيام بدورهم في الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهم يرون المجتمع يعيش في غبش الاوهام وضباب الاهواء ، واضطراب الولاء القائم على اساس التعصب للاشخاص .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : « ستكون فتن لا يستطيع المؤمن أن يغيّر فيها بيد ولا لسان » ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : « وفيهم يومئذٍ مؤمنون » ، قال : نعم .
قال (عليه السلام) : « فينقص ذلك من ايمانهم شيئاً ؟ » .
قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : « لا ، الاّ كما ينقص القطر من الصفا ، أنهم يكرهونه بقلوبهم » (1) .
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : « إذا رأيت الناس قد مرجت عهودهم ، وخفت أماناتهم ، وكانوا هكذا ـ وشبك بين أنامله ـ فالزم
____________
1) مستدرك الوسائل 12 : 19 .
بيتك ، وأملك عليك لسانك ، وخذ ما تعرف ودع ما تنكر ، وعليك بخاصة أمر نفسك ، ودع عنك أمر العامّة » (1).
والفتن المقصودة هي التي تقع بين أهل الضلال ، وإلاّ فالذي يقع بين أهل الحق وأهل الباطل لا يسمى فتنة بالمعنى الحقيقي ؛ لاَنّ الموقف واضح لا شبهة فيه ، ويستطيع الاِنسان ان يشخّص موقفه من الرجال ومن الوجودات ومن الاحداث ، ويجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لارجاع المخالفين إلى المنهج السليم والموقف الصحيح .
من كتاب الأمرُ بالمعَروُفِ والنَّهيُ عَن المُنكَرِ
مركز الرسالة